هشام النجار يكتب: ثورة 30 يونيو بقلم فرج فودة
ظهر من نتائج انتخابات 2012م أن ما يُعرف بتيار الإسلام السياسي الذي يُنسب إليه الدور الأكبر في نشر مظاهر التشدد والغلو وما ترتب عليهما من إرهاب أنه استفاد من الفترة بين 1970م إلى 2010م عبر بناء قاعدة تعتنق الرؤى المنغلقة الجامدة من منطلق تقييد العقل وحرية الفكر.
خلال تلك المرحلة ونتيجة تجهيل قطاعات من المجتمع وعدم الوعي لدى البعض بأصول الصراع وخلفياته خرجت ردود أفعال باهتة على وقائع كبيرة مثل اغتيال مفكرين وسياسيين كبار.
لكن الكارثة الحقيقية كانت السماح بحدوث النكسة الكبرى بصعود جماعة الإخوان الإرهابية في ذلك العام المشئوم إلى حكم أهم وأكبر بلد عربي وهي مصر.
بجانب اهتماماتي بالأدب وشغفي بالقصة والرواية أحرص على قراءة ما تقع عليه عيني من إنتاج مفكري العالم والمتخصصين في تيار الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة، ولم أعثر طوال سنوات على ما هو أدق استشرافًا لما هو آت مما كتب المفكر نادر التكرار الدكتور فرج فودة.
وهو الذي أسال دمَه هؤلاء “السائرون خلفًا، المتحدثون ترفًا، الممسكون سيفًا، القارئون حرفًا التاركون حرفًا” –بحسب وصفه العبقري لأعضاء الجماعات التكفيرية المتطرفة-.
وصف فودة وقائع ما جرى أثناء عام حكم الإخوان وما بعده وثورة يونيو الشعبية الخالدة التي ساندها الجيش العظيم كأنه لم يمت قبلها بسنوات وكأنه حي بيننا يرى من نراه ويعايش ما نعايشه.
حدد بدقة مواضع الخلل وأشار بإصرار على مسالك السير التي تصلنا بالحياة المدنية المتحضرة مستلهمين لقيم العدالة والمساواة وروح الكفاءة الإدارية والسياسية، ومطبقين لجوهر الفكر العلمي والخبرة الإنسانية، متمردين على الاستبداد باسم الدين، وباسم أي شيء آخر.
نقرأ تفاصيل عام حكم الإخوان عام 2012م في خاتمة كتاب فرج فودة “النذير” الذي أغتيل في يونيو عام 1992م؛ حيث دق فيه جرس الإنذار مبكرًا، محذرًا من تسلل الإخوان إلى مفاصل الدولة لتصبح دولة موازية.
ولا ننسى أن الدكتور فرج فودة أثناء مناظرة معرض الكتاب الشهيرة قال: إنني لا أقبل أن يُهان الإسلام على يد من يزعمون تمثيله ويرفعون شعاراته دون امتلاك إجابات عن أسئلة الواقع ومقتضيات الحاضر!
وبالفعل فقد أهانت جماعة الإخوان الإسلام وأساءت لسمعته عندما فشلت في الحكم زاعمة أنها هي وحدها من تمثل الإسلام.
طلب فودة من أساطين الإخوان ودعاة الدولة الدينية برنامجًا سياسيًا مفصلًا للحكم فكفروه وحرضوا على قتله، والمفارقة المدهشة أنهم فشلوا في الحكم لأنهم لم يمتلكوا هذا البرنامج وتلك الرؤية الشاملة التي ألح عليهم فودة بشأنها قبل أن يتجرأوا ويزعمون أنهم قادرون على إدارة وحكم دولة بحجم ومكانة مصر.
أما الخاتمة ففيها أعجب ما قرأت؛ لأنه تنبأ بكل شيء ووصف ما جرى منذ ثورة 30 يونيو 2013م إلى الآن كأنه يراه رأي العين في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
قال فودة إن الإخوان ماداموا وصلوا إلى هذا المستوى من غرور الإحساس بالقوة فلابد وأن ينتهوا إلى انكسار قريبًا، وسيزدادون عتوًا وستزداد الكثرة لهم عداءً وكرهًا، ولن يستمر البسطاء بعيدًا عن المعركة وإنما سينتصرون لمن حاولوا أن يجعلوا حياتهم أجمل وأكثر بهجة وإشراقًا، ضد كل من يهوى الظلام ويسعى للإظلام.
قال ستنفجر قنابلهم وتفرقع رصاصاتهم وسوف يكونون في النهاية ضحايا كل ما يفعلون وسوف يدفعون الثمن غاليًا حين يحتقرهم الجميع ويرفضهم الجميع ويطاردهم الجميع.
وقال سوف تدمر أغلبيتهم الغبية كل هذه الفعال، بل وأكثر من ذلك سوف ينقسمون على بعضهم ويهاجمون بعضهم البعض، وسوف تستجمع أجهزة الدولة ما بقي لها من شجاعة وسوف تلملم ما تبقى لها من سلطة وهي بلا حدود.
قال سيمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، سينتحرون بغرور القوة وحمق الصبية وآثام الكبار وستدور الدائرة عليهم من جديد لأنهم لا يقرؤون التاريخ إلا لكي يكرروا أخطاءه.
قال المفكر ذو البصر النافذ: ستنقلب الأغلبية الصامتة عليهم بأعنف مما يتخيلون ولن يرحمهم الشعب وسوف تكون استعادة الدولة لهيبتها استجابة مباشرة لإرادة الشعب.
ودعا الجميع أن يضعوا الإسلام في مكانه الصحيح بعيدًا عن الاختلاف وعن الفرقة وعن الإرهاب وعن الدم وعن المطامع.. وكررها مرتين -“المطامع”-.
ثم خاطب مصر قائلًا –وتلك هي خلاصة فلسفة ثورة يونيو المجيدة-:
يا مصرنا العظيمة لن يرثك السفهاء أبدًا ولن يحكمك الجهلاء أبدًا، فأنت الوجود وأنت الخلود، وأنت البدء وأنت الانتهاء، وأنت العطاء، وأنت الحياة، ولا حياة إلا بك ولا حياة إلا لكِ يا مصر.