كتب: أحمد علي
منذ بزوغ فجر الإنترنت في العام 1969، عكفت وزارة الدفاع الأمريكية على تطويره وربطه بحواسيبها، وقد فعلت، حتى تطور الأمر بعد عدة ابحاث ومشاريع وتنفيذ بروتوكولات الأتصال بين الحواسيب والشبكات إلى ربط جميع الحواسيب بشبكات الإنترنت لتكون بذلك قادرة على التواصل فيما بينها، ففي العام 1974 تعاون فينتون سيرف وجامعة ستانفورد في كاليفورنيا، ووكالة مشاريع البحوث الأمريكية(DARPA) في إنشاء بروتوكول التحكم في الإرسال (TCP)، الذي مكن أجهزة الحاسوب، توجيه حزم البيانات وتجميعها؛ وقد تضمن هذا البروتوكول،(بروتوكول الأنترنت IP).
و تطور العالم سريعاً وقفز قفزات هائلة في التكنولوجيا والتقنيات الصناعية بعد إنتشار إستخدام شبكة الإنترنت الدولية في الأربعة عقود الماضية وحتى الآن، ومع تقدم الدول والإعتماد شبه الكُلّي على الرقمنة في جميع قطاعات الدولة، وتعميق إستخدام الانترنت في القطاعات الحيوية أصبح الأمر أسهل عن ذي قبل، ولكن مثله مثل كل شئ، فهو سلاح ذو حدين، إذ سيتم شل الحركة الرقمية في الدولة المستهدفة عبر إختراق وقرصنة الشبكات الخاصة بها.
الجزء المخفي أو المظلم من الإنترنت كما يسمونه (Dark web) هو الأخطر على الإطلاق، حيث إنه يتم فيه كل شئ يتسّم بالسرية وبعيداً عن الأعين الرسمية والتجسس والمراقبة، حيث يتم بداخله كل ما هو غير قانوني، وجرائم القرصنة وتأجير القتلة المأجورين لتنفيذ عملياتهم، بالإضافة لتجارة المواد المخدرة، والأنشطة الجنسية، وغسيل الأموال والإحتيال المالي،حيث يحتوي على حسابات بنكية وبطاقات إئتمانية مسروقة بعمليات الإختراق، وهو مكان ملائم لتجمع الهاكرز، حيث لا رقابة هنا من الجهات الحكومية أو الغير حكومية.
ويزداد الأمر خطورة، إذ تتبنى بعض الدول والمنظمات والافراد الخطيرين هذه العمليات الغير مشروعة، لشن هجمات إلكترونية على جهة ما، أو دولة ما، مما يؤثر على إقتصادها، وبالتالي زرع الخوف في المجتمع من إن كل تعاملاتهم الرقمية قابلة للقرصنة بسهولة.
لم يقف الامر عند هذا الحد، بل وصل إلى العمليات العسكرية الإلكترونية، فأغلب جيوش العالم الآن تمتلك وحدات وكتائب للحرب الإلكترونية، ومجموعات تابعة لها تختص بالأمن السيبراني لحماية الدولة وشن الهجمات المضادة أو الهجمات الإستباقية على الطرف المستهدف.
وتأتي أهمية هذا على النحو التالي..
1- إنتشار الحوكمة الإلكترونية في اغلب دول العالم.
2- أغلب أجهزة الإتصال الدولية تعتمد على الإنترنت.
3- الإنترنت العميق أو (Deep web) يمتلك قدرة تقنية قادرة على تهديد الافراد، المنظمات، الدول، من يمتلك تلك القدرة يشكل تهديداً على الأمن القومي للدول، حيث إن وجود فرصة للتهديد يعني وجود جريمة يفصل بيننا وبينها الوقت المجهول لنا، المعلوم من قِبل المُهدد بها.
يكمُن خطر الإنترنت في الهجمات على أصول وأملاك الدولة، مثل الملكية الفكرية أو الصناعية، حيث تعتمد على إتلاف الملفات وتدميرها عن طريق زرع البرامج الضارة والڤيروسات، أو سرقة المشاريع الصناعية وتسريبها لجهات خارجية وبيعها عبر القرصنة.
دور الأنترنت في الصراعات الدولية:
أتسع إستخدام الفضاء السيبراني في الصراعات خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بعدما أستخدم تنظيم القاعدة الفضاء السيبراني كـ ساحة للقتال ضد الولايات المتحدة، وزاد تهديد الفضاء السيبراني في الصراع بين إستونيا وروسيا 2007،وحرب 2008 بين روسيا وجورجيا، وفي عام 2010 خلال الهجوم على البرنامج النووي الإيراني بفيرس ستاكسنت، وتحولت الشبكة العنكبوتيّة من شبكة للتواصل، لشبكة لإدارة الصراعات وظهر ذلك جلياً في أحداث ثورات 2011 عبر إستخدام منصات الشبكة السطحية للإنترنت في نشر الشائعات والتحريض ضد مؤسسات الدولة، وساعد على ذلك إنتشارها في العقدين الأخيرين بين الشباب، الصغير قبل الكبير، ليشكل الفضاء الإلكتروني ساحة لإدارة الصراعات وتنفيذ أجندات معينة.
التهديدات الإلكترونية التي تشكل خطراً على الدول:
1- الحرب الإلكترونية.
2- التهديد بواسطة التلاعب بالمعلومات.
3- التسلل وإختراق قواعد البيانات الحكومية وأجهزتها التي تدير البنية التحتية والإستراتيجية للدولة.
4- التجسس على بيانات الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية.
5- نشر الڤيروسات في الأجهزة الحكومية ذات الطابع الهام جداً، مثلما حدث للمفاعل النووي الإيراني في 2010.
6- إختراق الجهات الحكومية بغرض الإنتقام.
7-نشر الأفكار المتطرفة للجماعات الإرهابية.
8- تعطيل المصالح الحكومية مثلما حدث في إيران 2021 خلال هجوم إلكتروني شل قطاع النفط ومحطات الوقود في الدولة
ومثل هجوم فريق قراصنة عراقي يسمى (فريق التحرير) بهجوم “Ddos attack” عطل موقع وخوادم شركة الخطوط الجوية التركية، رداً على قصف تركيا لإقليم كردستان العراق.
مما يتضح لنا إن ذلك يسبب عائق خطير أمام البنية التحتية للدولة، وتواجه صعوبات وأخطار الإختراق ونشر الڤيروسات بإجهزتها الحيوية مما يشل حركة الدولة ولو مؤقتاً ولكن لا يزال يشكل تهديداً، حيث يتناسب تطور التكنولوجيا مع التهديدات الإلكترونية تناسباً طردياً.
اغلب دول العالم الإن تمتلك وحدات وكتائب للأمن السيبراني، سواء منظمات غير رسمية أو رسمية تتبع الجيوش أو أجهزة المخابرات، التي تمتلك من القدارات التقنية ما يُمكنها من صد الهجمات وشن هجمات مضادة لها وحماية الدولة، والعديد من دول العالم أدركت خطر الهجمات الإلكترونية على مصالحها الحيوية فـ زادت من تمويل وتبني رؤية أوسع لمجال الأمن السيبراني مما يوفر الأمن لشعبها ومصالحه، خصوصاً بعد جائحة كوفيد -19، وتزايد التعامل الألكترونيّ وإعتماد عدة دول على ذلك، يزيد من تداعيات وآثار الهجمات عليها.
وفي بيان لصندوق النقد الدولي عن مركز (identity Theft Resource Center) عام 2020 أظهر مؤشر على تصاعد الهجمات السيبرانية حول العالم من أقل من 200 هجوم في عام 2005،إلى أكثر من 1500 هجمة سيبرانية، مما يؤكد ما سبق ذكره.