جذور الأخلاق في تاريخ البشر
أغلب الناس بتعتقد ان الأخلاق بدأت بوجود الأديان. والبعض الآخر يعتقد انها بدأت بوجود الحضارات، والحقيقة ان الأخلاق مكون بيولوجي موجود قبل وجود البشر بحوالي 80 مليون سنة !
عندما ظهرت الثدييات علي كوكب الأرض وتطورت من نوع قديم من الزواحف اسمه Therapsida، اكتسبت الثدييات صفة جديدة وألية الانتخاب الطبيعي رسخت وجودها وتوارثها من جيل لجيل، والصفة دي هي Parental care أو الرعاية الأبوية(سواء من الأم أو الأب لصغارهم).
عندما نفكك هذه الصفة لمكوناتها الأصلية هتظهر لينا صفة بيولوجية خطيرة ومهمة جدا اسمها Empathy وهي قدرة الفرد علي الإحساس بمشاعر غيره من أفراد نوعه.
تولد الثدييات بهذه الصفة وهي موجودة في خلايا مخهم Hard-wired ولما نبحث في أي الأنواع تظهر الصفة بقوة فيها نجدها في مجموعة الفئران، والقردة.
القردة ،وخاصة القردة العليا زي الغوريلا، والشمبانزي عندهم تعاطف مع أفراد نوعهم، وخاصة من اللي معارفهم، وأقاربهم، كما توجد القبلات، والأحضان ،والطبطبة، وتقديم المساعدة، والدعم النفسي، والترويح عن النفس، والمداعبات، وغيرها.
ونجد ايضا قدرة رائعة علي التعاون، والتضحية، والتحالف للدفاع مع بعضهم عن الأرض التي يعيشون فيها.
لكن نلاحظ ان قدراتهم تنحصر نسبيا داخل الأفراد الموجودين في دائرة معارفهم. لكن لا نلاحظ هذا بين أفراد جماعتين مختلفتين من الشمبانزي مثلا.
عندما نلاحظ ظهور هذه الصفة بين البشر فمن المهم التركيز الأول في ملاحظتها بين الأطفال، وخاصة حديثي السن.
فطرتهم اشبه بالصفحة البيضاء لم يستوعبوا أي تعليمات، أو ارشادات أخلاقية من الأبوين سواء دينية أو مجتمعية.. بالتالي هنقدر نشوف هل المادة الخام للأخلاق موجودة فعلا ومولودين بيها ومتوارثينها من أسلافهم من القردة العليا ولا هما فعلا بيكتسبوها من الأباء ؟!
هنلاحظ مثلا ان طفل عمره 3 شهور بيعجب أوي بحركات لطيفة للشخصيات الحقيقية، والعرائس، ويميز ده عن تصرفاتهم الغير جيدة.
ولو لاحظنا الطفل في عمر 6 شهور هنلاقيه بدأ في التفاعل كمان مع التصرفات اللطيفة ومع اصحابها، ولما يوصل الطفل لعمر 12 شهر يبدأ يدرك قيمة العدالة. تلاقيه يرفض لو أحد الأفراد حصل علي عدد اكبر من الكوكيز مثلا مقارنة بالآخرين. ولما يتم عامين يدرك قيمة التعاون ومساعدة الغير.
يعني الأساس لقيمة الأخلاق موجودة في عقولهم بالفعل وكل ما نقوم به هو زرع الأفكار، والقيم اللي توافق عليها الأباء والمجتمع.
ومن هنا نقدر نفهم مثلا التباين والاختلاف الكبير بين أخلاق البشر حتي داخل المجتمع الواحد.
ونقدر نعرف قيمة وتأثير الدين لأنه بيلعب دور كبير في اغلب المجتمعات بإعتباره ضابط اخلاقي واجتماعي خاصة فيما قبل الثورة العلمية الحديثة. لأن وقتها الدين كان هو المصدر الأول لكل شئ تقريبا، وبالتالي فهم الناس غلط انه يمثل المصدر الوحيد للأخلاق وده زي ما شفنا خطأ كبير.
وعند دراسة كيف يتفاعل المخ البشري في جزئية الأخلاق هنفهم أبعاد بيولوجية أكتر للسلوكيات. هنفهم من خلال دراسة الحالات اللي تعاني من مشاكل فسيولوجية وأورام، وبعض المشكلات بخلايا المخ ازاي مشاكلهم غيرت في طبيعة أخلاقهم بشكل حاد.
وهنفهم من خلال دراسة كيمياء المخ ان بعض الهرمونات بتلعب دور خطير في بعض الأحكام وردود الفعل في المواقف المختلفة زي Oxytocin، و Serotonin وفي الدراسات التشريحية للمخ عن طريق اجهزة الفحص الحديثة بالأشعة الكهرومغناطيسية بنقدر نجري تجارب علي الأطفال، والكبار وعرض مواقف أخلاقية مختلفة ومتابعة ورصد تفاعلات الأجزاء المختلفة من المخ معاها.
وهنا عرفنا ان مفيش مركز محدد بالمخ بيتحكم في اخلاق الفرد لكن هي مجموعة من الخلايا في مناطق مختلفة داخل المخ بتلعب دور في الموضوع.
وفي نهاية الكلام وضح الأصل البيولوجي لقيمة الأخلاق وعرفنا اد ايه ان بيولوجيا التطور قدمت فقط البنية الأساسية للأخلاق لكن المفاهيم والتعاليم الأخلاقية للمجتمع هي اللي بتغذي البنية دي بمجموعة من الأمور.
وعشان كده مهم تفهم انك مش متميز عن غيرك زي ما انت فاهم.. كل الحكاية انك مغرور فقط بأفضليتك دي بناء علي ايمانك بأن اخلاقك واخلاق مجتمعك أرقي وده مش صحيح، انت ومجتمعك فقط اللي توارثتم الأفضلية الوهمية دي!