مفيش شك إن من فات قديمه تاه واللي ملوش قديم ملوش جديد وكل الأمثال الشعبية الجميلة دي , لكن الأمثال دي تنفع تتقال من أب لإبنه لو عايز كراسات جديدة ف بداية الترم الثاني مثلا رغم إن كراسات الترم الأول تكفي وزيادة أو من أم لبنتها لوشافتها بتلبس هدومها الجديدة عمال على بطال.
لكن للأوطان شأن آخر !! .. يعني إيه الكلام ده؟
يعني مينفعش نفضل عايشين في مستنقع عشوائيات ونقول من فات قديمه تاه !
مينفعش نبقى بلد فيها آثار من كل الحضارات وفجأة نلاقي الطوب الأحمر مغطي على كل ده !
مينفعش نبقى عايشين ف عمارة مكونة من 10 طوابق ف شارع عرضه 5 متر وطوله أكتر من 100 متر .. ودا أقل مثال على فكرة .
يعني تخيل عمارة فيها 20 شقة – دا لو الطابق فيه شقتين فقط – ونضرب 20 شقة في 10 عمارات يا سيدي مش هنقول أكتر من كدة , يعني كدة 200 شقة نضربهم في 4 أفراد وبرده مش هنقول أكتر من كدة , يعني 800 فرد بالصلاة على النبي .
انتوا متخيلين العدد ؟!
متخيلين عايشين ازاي ؟! أو بمعنى أدق مش عايشين ازاي؟!
لا متنزهات , لا أمان , لا خصوصية , لا حقوق للإنسان في تلك الأماكن , ناهيك عن الشوارع التي لا تصلح لسير الحيوانات لا لسير البشر , وأيضا لم نتحدث عن جراج السيارات وغيره من الخدمات .
يا ترى كام منطقة في مصر بالشكل ده ؟!
سؤال محتاج من حضرتك إنك تفتح تطبيق خرائط جوجل وتبص على القاهرة الكبرى تحديدا , والإسكندرية , وكل المحافظات المكتظة بالملايين من السكان.
ولما الدولة قررت تفك العُقد دي شوية , وتعمل مساكن آدمية , وطرق ومحاور ومدن جديدة بمرافق حديثة وأماكن طبية وأمنية وتعليمية ودينية بأحدث مستوى , فجأة يطلعلك محنك ويقول : الشعب مش لاقي ياكل !!
وهنا يحضرني مثل فلاحي بليغ جدا بيقول : أقصى طموح البهايم علفها.
لإن حضرتك بقالك سنين بتاكل وتشرب وانت محلك سر , إيه الجديد ؟!
فلو المحنك دا عايش في الريف مثلا أو في مكان أفضل من العشوائيات , فأحب أقوللو : حتى لو انت مش مستفيد فغيرك مستفيد .
ولو المحنك دا عايش في منطقة عشوائية أصلا زي اللي بنتكلم عليها , فدا مصيبته مصيبتين.
يعني على رأي الشاعر :
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة .. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
نفس الموضوع لما بدأت الدولة في بناء العاصمة الإدارية الجديدة , طلع نفس المحنك يقولك : سيتركون العاصمة القديمة تحترق بأهلها ومش عارف إيه ؟! مع العلم إنك لو سألته عن أسماء 4 كتب للعراب مش هيصد ولا هيرد.
هوب دبل كيك .. نلاقي الدولة شغالة تطوير وتجديد للعاصمة القديمة بردة , شوارع ومباني وطرق ومساجد وكنائس ومستشفيات ومعاهد وغيره وغيره .
الله ؟! بصوت باسم سمرة .. يعني ما سابوش العاصمة القديمة تحترق زي ما بيقول المحنك ؟
لا ما سابوهاش .. دول كمان بيطوروها .
ودي الحاجة المهمة اللي لازم نتوقف عندها شويتين تلاتة , بس قبل ما أقولك ليه هنتوقف تعالى أحكيلك قصة جميلة جدا للأديب السوداني الطيب صالح يمكن نفهم منها حاجة ..
قصة مشهورة اسمها ” دومة ود حامد” ملخصها إنو كان في قرية زمان قريبة من النيل لكن مفيهاش خدمات وكلها أمراض وحشرات , وعلى شط النيل كان في تبة عالية وعليها شجرة دوم وكان أهل القرية بيقدسوا المكان دا وبيزوروه في مواعيد محددة بأولادهم عشان ياخدوا البركة وكانوا بيحكوا عنه الأساطير .
وفي يوم من الأيام الحكومة قررت تعمل مشروع زراعي يخدم أهل القرية ويحسن من أوضاعهم , لكن المهندسين المشرفين على المشروع قرروا يقطعوا الدومة عشان يضعوا مكانها ” ماكينة رفع المياه “.
أهل القرية غضبوا جدا وطردوا المهندسين والمشروع متعملش.
ومرت الأيام , وبعدها بكام سنة الحكومة قررت إنها تعمل محطة للبواخر توفر على أهل القرية ركوب الدواب طول النهار لو رايحين مشوار بعيد.
ونفس الموضوع .. مهندسي المشروع قرروا يقطعوا الدومة عشان يعملوا المحطة مكانها !
المرادي بقى أهل القرية مسكوا المهندسين ورموهم في النيل غضبًا ونصرة لود حامد والدومة بتاعته .
الحكومة طبعا اعتقلت عدد من أهل القرية وحصل تصعيد للموضوع فأفرجوا عن المعتقلين والحكومة عشان تراضي أهل القرية قامت بعمل سور حديدي حول الدومة وقبة ذهبية على ضريح ود حامد.
أهل القرية للأسف مستفادوش لا بالمشروع الزراعي ولا بمحطة البواخر اللي هتوفر عليهم الوقت في مشاويرهم , وكإنهم قابلين يعيشوا في وضعهم اللي لا يسر عدو ولا حبيب ولا ود حامد نفسه.
لكن عبقرية الأديب السوداني الجميل فين بقى في الحكاية دي ؟
عبقريته إنو مكانش متعاطف إطلاقا مع خرافات أهل القرية وتقديسهم المبالغ فيه لدومة ود حامد , وإنو كان عايز ليهم رعاية صحية ومشاريع تحسن من أوضاعهم , ودا اللي قالوا على لسان الشخص اللي في الرواية.
أزيدك من الشعر بيت ؟
دا كمان الأديب العبقري في آخر جزء في الرواية فاجئنا بحسرته على كل اللي حصل ده , وكإنو بيقول : ما المكان واسع اهو .. المكان يساع للدومة ولود حامد وللمشروع الزراعي ولمحطة البواخر ولغيرهم ولغيرهم.
عرفتوا بقى ليه الدولة بتعمل عاصمة إدارية جديدة؟
عرفتوا ليه الدولة بتستصلح في الصحرا؟
عرفتوا ليه الدولة عملت مدينة العلمين والجلالة وغيرهم ؟
عرفتوا ليه الدولة مش سايبة شبر في مصر حرفيا من غير منفعة ؟
عشان المكان يساع للدومة ولود حامد وللمشروع الزراعي ولمحطة البواخر ولغيرهم ولغيرهم .
ويبقى السؤال ؟
ليه المصريين كانوا عايشين في 6% من مساحة مصر؟
أكيد عشان البنت عايزة تسكن جمب أمها.