fbpx
تقاريرسلايدر

معركة المزرعة الصينية.. حصاد إسرائيل من العذاب في سيناء “أرض المصريين”

كتبت: حياة يحيي
تدقيق: ياسر فتحي

 

شهدت حرب أكتوبر 1973 العظيمة العديد من ملاحم البطولة عبر معاركها الدامية، والتي جسدت صمود الشعب المصري واستبساله دفاعًا عن أرضه، وتعد معركة “المزرعة الصينية” والتي وصفت بالصندوق الأسود لحرب أكتوبر 1973، أضخم معارك الدبابات، حيث أباد المصريون مدرعات جيش العدوان الإسرائيلي، وفقدت إسرائيل 66 فردًا من الكتيبة 73 استطلاع، التابعة للواء 80 الإسرائيلي، والذي تم أسره عام 1973، كما صنفت بأنها أكبر معركة دبابات منذ الحرب العالمية الثانية.

• أرض معركة المزرعة الصينية

هي مشروع مصري للتنمية الزراعية بإشراف ياباني، وبلغت مساحتها أكثر من 23 كم² في شبه جزيرة سيناء، وسيطرت عليها قوات الاحتلال الإسرائيلي في 6يونيو 1967، ودُوِّن الموقع باسم المزرعة الصينية على الخرائط العسكرية الإسرائيلية؛ لأنهم حينما دخلوها شاهدوا المعدات مكتوب عليها باللغة اليابانية، فظنوها صينية.

وشهد عام 1973 مواجهة دامية بين فرقة من الجيش الثاني الميداني بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي، وفرقة إسرائيلية بقيادة اللواء آرئيل شارون.

• المعركة

خططت القيادة الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر 1973، لاختراق القوات المصرية عبر المنطقة الواقعة بين الجيشين الثاني والثالث الميدانيين على الضفة الشرقية لقناة السويس، مستغلة ثغرة الدفرسوار لفتح مساحة تكفي تجميع الجسور العائمة لعبور القناة، وبعد ذلك تتحرك الفرقة 143 المدرعة الإسرائيلية بقيادة آرئيل شارون لقطع خطوط الإمدادات العسكرية للجيش الثالث المصري وفق عملية عرفت باسم عملية “إبراى ليف” مؤلفة من ثلاث مراحل.

• مراحل الخطة الإسرائيلية

المرحلة الأولىٰ
تهاجم قوات الجنرال الإسرائيلي إبراهام آدان الجناح الجنوبي للجيش المصري الثاني، والجناح الشمالي للجيش المصري الثالث بهدف صرف الأنظار عن القوات الإسرائيلية بقيادة شارون.

المرحلة الثانية
تقوم قوات شارون باختراق خطوط القوات المصرية، وتدمير أي قوات في منطقة الدفرسوار، ثم تعمل على تأمين مساحة لعمل جسر عائم على جانبي قناة السويس مع استخدام قوارب مطاطية، حيث يقوم مهندسون عسكريون بعد ذلك وتحت حماية قوات شارون بتجميع الجسر الدوار عبر القناة.

المرحلة الثالثة
تعبر قوات شارون القناة وتسحب قوات آدان من جديد إلى منطقة الممرات والدفاع عنها وتأمين وصول التعزيزات الإسرائيلية لخطوط التماس الجديدة، ولكن ماحدث لم يكن في الحسبان.

• ثغرة الدفرسوار

سرعان ما أدركت القيادة المصرية أن إسرائيل تنوي استغلال الثغرة العسكرية، فاعتمدت على عنصر المفاجأة، وشكلت الفرقة 16 مشاة ميكانيكية بقيادة مقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي شبكة دفاعية على طول خط الجبهة بواسطة صواريخ مالوتكا المضادة للدروع ومنظومات صواريخ سام 6 المضادة للطائرات، وتغطية منطقة العمليات بنيران المدفعية الثقيلة، وراجمات الصواريخ، إضافة لاتباع استراتيجية جر العدو إلى الكمائن النارية.

• المواجهة

بدأت قوات شارون الهجوم ، ولكن سرعان ما ظهرت مشكلة عندما اتجه لواء إسرائيلي آمون راشيف شمالاً في نطاق الجيش الثاني المصري، فدخلت سبع كتائب من هذا اللواء في قلب كل من الفرقة 16 مشاة، والفرقة 21 مدرعات، حيث كانت المزرعة الصينية نقطة حرجة على الطريق الوحيد الواسع الطويل لتحمل الجسر الدوار الضخم اللازم لعبور القناة، والذي كان النموذج الوحيد من نوعه المتاح على الجبهة الجنوبية لإسرائيل، وتدمير الجسر يعني فشل العملية لذا كان من الضروري السيطرة على المزرعة لنجاح العملية.

• كمائن النيران المصرية

دفع الجنرال إبراهام آدان بلواءين مدرعين إلى المنطقة وكانت مهمتهم فتح طريق أبو طرطور وعندما تقدموا أصبحوا في مواجهة نيران المواقع شديدة التحصين المصري، وبالفعل كانت الكمائن النارية المجهزة من قبل القوات المصرية لهم بالمرصاد، حيث عملت طواقم صواريخ مالوتكا، ورماة قذائف الآر بي جي (p-7) على استهداف المدرعات الإسرائيلية وتدميرها بشكل جزئي، كما قامت وحدات المشاة المصرية بحفر خنادق على شكل حرف U ، لتتمكن من إطلاق النار من ثلاث جهات، وهو الأمر الذي سهل على المصريين تحقيق إصابات مباشرة عالية الدقة في صفوف قوات العدو.


• الخدعة المصرية

أحست إسرائيل بقساوة المعركة التي زجت بها جنودها، فطلبت تعزيزات عسكرية لإنقاذ ماتبقى من قواتها في الميدان، وأوكلت المهمة إلى لواء المشاة المحمولة جوًا (القوات المظلية)، بقيادة الكولونيل عوزي يانيري، وغادرت الكتيبة الإسرائيلية 890 مظلات إلى أسفل طريق أبو طرطور في منتصف الليل، بعد تلقيهم معلومات مضللة حول حجم وتسليح القوات المصرية الموجودة في الميدان، إذ قيل للجنود أنهم سيواجهون أفرادًا من صائدي الدبابات المصريين المتناثرين في المنطقة وعليهم تصفيتهم، وأن المهمة ستكون سهلة للغاية، غير أنهم وجدوا أنفسهم في مواجهة المدفعية الثقيلة المصرية في أرض مفتوحة دون سواتر طبيعية أو عسكرية تحميهم، واتضحت ضخامة المهمة وفداحة الموقف وصعوبة تطهير الطريق قبل النهار؛ ماأدى لمقتل نحو 80 مظليًا من القوات الإسرائيلية التي واجهت استبسالاً في المقاومة المصرية.

• أسر 20 ومقتل 330 من القوات الإسرائيلية

تلقت القوات الإسرائيلية أوامر بالانسحاب من الميدان لما لاقته من ويلات، لكن الظلام الدامس عند ساعات الفجر الذي رافقه جو ضبابي جعل جزءًا من تلك القوات تضل طريقها وتتجه نحو القوات المصرية التي أسرت 20 من جنود شارون، وخلال 3 ساعات فقط خسرت القوات الإسرائيلية مامجموعه 330 قتيلًا، وجرح المئات وتدمير 70 دبابة وأكثر من 150 عربة مدرعة أخرى.

• شهادات جنرالات الجيش الإسرائيلي
(كان المصريون سكارىٰ بالنصر)

– الجنرال موشيه عفري: قد فاجأنا الجنود المصريون بشجاعتهم وإصرارهم، لقد تربى أبناء جيلي على قصص خرافية عن الجندي المصري الذي ما إن يرى دبابة تنقض عليه حتى يخلع حذاءه ويبدأ في الهرب بعيدًا، وهذا ما لم يحدث في معركة المزرعة الصينية، استيقظنا على الحقيقة المرة، لم تنخلع قلوبهم أمام الدبابات، كانوا يلتفون في نصف دوائر حول دباباتنا، ويوجهون قذائف آر بي جي في إصرار منقطع النظير، ليس لدي تفسير لهذا الموقف سوى أنهم كانوا سكارى بالنصر، وفي مثل هذه الحالة ليس للدبابة أي فرصة في المعركة.

– ناتالي شوناري/ قائد كتيبة مظلات: وصف المعركة بأنها كانت صدمة وغير متوقعة، كان هناك نيران من الجحيم تطلق علينا من كل اتجاه.

– أهارلي تويب/ ضابط ناجٍ من المعركة: إنها ليلة عصيبة تثير المخاوف ولايرغب أحد في الحديث عنها، ويريدون أن نسدل الستار عليها للأبد.

– إيان وينر/ مسعف ميداني: هكذا أرسلونا لمواجهة جيش كان أكثر تنظيمًا منا بكثير، يالها من صدمة، كنا نتساءل متى سيتم إنقاذنا من هنا، لقد أدرنا ظهورنا للمصريين وهربنا.

– يورام نهاري يانو/ قائد كتيبة مظلات: كل جندي مصري كان مجهز بصورة كاملة وأفضل بكثير من أي مظلي إسرائيلي، لقد تساقطنا أمامهم كأوراق شجر الخريف.

– نافتالي هداس/ طبيب ميداني: كان هناك مشاة مصريون مزودون بأسلحة مضادة للدبابات أُحرقت كل الدبابات الإسرائيلية، لقد كنا في داخل قلب كمين مصري.

– موشيه دايان/ رئيس الأركان العامة الإسرائيلية
عقب زيارته للمزرعة الصينية يوم 17 أكتوبر برفقة الجنرال أرئيل شارون: «لم أستطع إخفاء مشاعري عند مشاهدتي لها، فقد كانت مئات من العربات العسكرية المهشمة والمحترقة متناثرة في كل مكان ومع اقترابنا من كل دبابة كان الأمل يراودني في ألا أجد علامة الجيش الإسرائيلي عليها وانقبض قلبي فقد كان هناك كثير من الدبابات الإسرائيلية».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى