دور الدولة في مواجهة الاحتكار بالأسواق المصرية
كتبت: بسمة موسى
تابعت خلال الأيام الماضية، وحتى لحظات إعداد هذا المقال، تطورات الحرب بين روسيا و أوكرانيا، وتأثيرها الاقتصادي، سواءً على العالم بأثره، أو على وطننا الغالي مصر، وتحديدًا تأثيرها على المواطن، لخوفه الشديد من المجهول، أو مما اعتاد عليه من ارتفاع في الأسعار عقب كل أزمة تحدث على الصعيد الدولي و المحلي.
و يبدو أن متلازمة الخوف أصابت المواطن المصري تجاه الأسعار رغم محاولة طمأنته مثلما فعل الرئيس السيسي في حديثه الأخير ، وخاصة عندما عرض لاستعدادات الدولة المصرية في التصدي لأزمة نقص القمح على سبيل المثال .
لقد بدأ الكثير من التجار المصريين في إستغلال خوف المواطن و إفتعال أزمة إقتصادية مثلما فعلوا سابقا في كل إجراء اتخذته الدولة من إجراءات الإصلاح الإقتصادي بلجوئهم لسياسة الإحتكار و تعطيش الأسواق لإيجاد أزمة تبرر لهم المغالاة في الأسعار و تحقيق الأرباح على حساب المواطن مستترين في عباءة الدولة و جهل المواطن بمبررات و أسباب الأزمة وصانعوها .
نعايش هذه المأساة عندما نذهب لشراء سلعة مسعرة بالخط العريض و تجده يبيعها لك بضعف الثمن، وتكون حجته دائما وبمنتهى الجبروت و الجحود “سياسات الدولة هي السبب” واذا كان جحوده مصحوبا بوقاحة تجده يقول “روح اسأل السيسي و حكومته”!!
أو ان يدعي ان الحرب سبب آخر، في حين ان ما يبيعه حاليا من المخزون الذي استورده منذ فتره بسعر مستريح، ولم تصل أي شحنات جديدة منذ وقوع الحرب!!
يقوم هذا التاجر الذي انتزعت من قلبه كل معاني الرحمة والانسانية والانتماء للوطن بتصدير هذا الادعاء الكاذب واقناع العامة الذين لاحول لهم ولا قوة بأن الدولة وسياساتها هي السبب، وهو ما قد ينطلي على الكثيرين من محدودي التعليم والثقافة والوعي واحيانا الإنتماء. فيتحول المواطن تلقائيا لشخص ناقم على الدولة وعلى الوطن بأثره .
أتذكر انني منذ نحو عام و نصف، ذهبت لشراء بعض السلع المسعرة من احد المنافذ و كان هناك مغالاة بشكل ملحوظ، و عندما قمت بالرد ومراجعة الحساب مع البائع عن وعي وانتماء، وجدت السباب يتطاير يمينا و يسارا في الدولة و الجيش و الرئيس، ظنا منه انني جاهلة أو سلبية أو ناقمة على وطني، و ما كان لي من رد إلا أنني تقدمت بشكوى رسمية لإدارة الأمن المسئولة عن تلك المنافذ، و تم توبيخه وفصله من المكان وأغلق المنفذ حتى حل مكانه آخر.
وكانت المفاجأة الصادمة لي أنني عندما رويت القصة على مواقع التواصل الإجتماعي تعرضت للنقد و الهجوم، لكوني تصرفت كمواطنة إيجابية، رفضت الاستغلال من سارق، يٌحمل الدولة فاتورة قلة ضميره و تلاعبه بدخل وأمان المواطنين .
الشاهد من هذه القصة أن الأزمة الكبرى في كل ما يحدث في السوق هي في الغالب أزمة وعي وسلبية تجاه هؤلاء قبل أن تكون أزمة دولة و رقابة . ويزداد الطين بلة عندما يعلم المواطنين بقدوم لجنة رقابية على السوق، فيبادروا هم بإبلاغ التجار وتحذيرهم، مع ان اللجنة نزلت من أجل حمايتهم من هؤلاء الذين لم يراعوا فيهم إلا ولا ذمة!
أنا حتما لا أبرئ الدولة و سأتحدث عن واجباتها لاحقا وسأفرد لها مقال كامل، و لكن الهدف هنا هو تسليط الضوء على قيمة الوعي، لأن كل ما ستتخذه الدولة من إجراءات ستكون ناتجة عن تحرك المواطن و تقديم شكواه .
إن أكثر ما يؤلم في هذا المشهد الهزلي أن هؤلاء التجار بدلا من أن تعطيهم الحرب درسا واعظا في الشعور بقيمة الوطن وقيمة سعي الدولة في تحقيق الأمن و الإستقرار و تحقيق مناخ و بيئة آمنة للاستثمار والكسب الحلال، يقومون بتأليب المواطنين على الدولة ويتسابقون في إشعال الأزمات، المفتعلة والمصطنعة في أغلبها.
عزيزي المواطن المصري : هذا التاجر الذي يقنعك بالصعبانيات استغَل خوفك ودخلك المحدود و استغل وطنك، فلا تأخذك به رحمة أو شفقة تحت مبررات واهية، كحجتهم البالية بمنافسة القوات المسلحة لهم أو قطع رزقهم.
قطعا ستحمل الدولة على عاتقها مسؤولية حل هذه الأزمة، التي ستؤثر على الأمن القومي، بما تتركه من أثرٍ في نفس المواطن، من عدم ولاء و زعزعة شعوره بالإكتفاء والاستقرار داخل وطنه، وجعله أكثر عرضة لتأثير حروب الجيل الرابع، فضلا عن تأثير تلك الأزمة على الاقتصاد القومي في مجموعه، بسبب خلل السوق وعدم استقراره و نفور المستثمر الوطني و الأجنبي، فضلا عن تأثيرها على السياحة بسبب المغالاة غير الطبيعية على السياح وبعدما كان السائح يستطيع العيش في مصر برفاهية،وهو ما كان يجعله دائم الزيارة لمصر أصبح غير مستقر ولا مكتفي بزيارته، و هذا ما يؤثر على الصورة العامة للوطن، وبالتالي تقليل دخول العملة الصعبة للوطن وإلى غير ذلك من التداعيات السلبية.
وبناء عليه، أقترح مايلي من خطوات:
أولا : سن قانون يعاقب بعقوبة مقيدة للحرية و بغرامة مؤلمة وبالمصادرة “كل تاجر ثبت أنه احتكر سلعة أو يمتلك متجرا يبيع به سلعا بضعف أثمانها”.
ثانيا : إيجاد وسيلة سريعة تمكن المواطن من تقديم شكواه دون شعور منه أنه سيحارب، على ان تكون متضمنة كل البيانات الخاصة بالبلاغ مع السماح له باستخدام كل وسائل الإثبات المشروعة لما فعله التاجر، مع وجوب تأمين كافة بيانات المواطن، منعا من استخدام هذا الأمر للكيد و تصفية الحسابات و حتى يشعر التجار الأمناء بالإستقرار أيضا .
رابعا : تعيين موظفين متخصصين في الرد على الشكاوي مع سرعة التحرك و التواصل ليشعر المواطن بالثقة و الولاء و إقناعه بأن الدولة تعمل لمصلحته و لصالحه.
خامسا : تنفيذ حملات دورية في الشارع المصري لرصد رأي المواطنين في كل المحافظات مع المرور الدوري على كافة المتاجر و المنافذ حتى لا يشعر أي من الطرفين بغياب الدولة فيعم الإحباط أو الإستغلال.
و أخيرا لو تحرك وعي المواطن و تخلى عن سلبيته مع جهود الدولة في سن القانون و الرقابة و بتر المستغلين سيكون لذلك مردود كبير على الأمن والإقتصاد القوميين و فتح فرص عظيمة لإستقبال تجار و مستثمرين مخلصين جدد كان يهدد وجودهم هؤلاء اللصوص و المحتكرين.
و أخيرا مثلما وجب على المواطن أن يتذكر جهود الدولة المصرية في تحقيق الأمن و الإستقرار مقارنة بما يحدث في المنطقة، وجب على الدولة المصرية أيضا إدراك أن المواطن المصري كان حجر الأساس، و تضحينه كانت أكبر وسيلة في تحقيق ذلك . و أخيرا ندعو الله أن يحفظ وطننا من اللصوص و الخونة.