حياة يحيى تكتب: قبل أن يختطفوا أطفالنا!
حين يذكر اسم مصر، فإن أول ما يتبادر إلى ذهننا، تلك الأمة الشابة الفتية، إننا نتحدث عن دولة شابة يمثل الشباب والأطفال أكثر من 70% من سكانها وما يقارب من نصف السكان 51% أطفال، فكيف تتجاهل دولة نصف سكانها، وتحرم نفسها من حيوية شبابها وأطفالها، وهم الطاقة التي تجدد بها الدول دمائها وتبني مستقبلها.
و الاهتمام بالطفل هنا لا أقصد به الرعاية الصحية المقدمة والغذائية، وهي لاشك مهمة، ولكن أين الرعاية الفكرية والثقافية والتنموية والاجتماعية والترفيهية، لنصف سكان مصر من الأطفال ؟
أين تشكيل هوية الطفل المصري؟ ومن يقوم على تشكيل هويته؟
لماذا نرمى بنصف ثروتنا و كنزنا الغالي لكل من يريد محو الهوية المصرية من أجيال ٍ قادمة ستقود هذا البلد العظيم يوماً.
هل تعجز دولة بحجم مصر بريادتها على مدار عقود للسينما والدراما والثقافة و الآداب و الفنون عن تقديم قنوات إعلامية وبرامج موجهة للطفل، وسط كل هذا التلوث الذي يسبح فيه أطفالنا، ما بين مواقع التواصل الاجتماعي، والمنصات المتنوعة، وكم البث المعلوماتي الهائل الموجه للطفل والتي تعمل على طمس هويتهم المصرية ، فأين صناع المحتوى المصريين المعنيين بتشكيل الوعى؟
أين ذهبت مكتبات المدرسة ومكتبة الطفل ونادى الطفل والحدائق المفتوحة المجانية للأطفال، أين أدب الطفل و أغاني الأطفال ومسرح الأطفال؟
أين يذهب أطفال مصر للترفيه؟
يذهبون إما لقنواتٍ تقدم محتوى غربي ومتغرب تماماً عن ثقافتنا وعاداتنا الاجتماعية، أو لمحتوى عربي خليجي و شامي، يسيطر على أغلبه ثقافة بدوية، كثيرُ منها متشدد، وتوجه ثالث لقنوات دينية تبث برامج كرتونية عقائدية، متشددة في أغلبها، تربطهم بنماذج و شخصيات لا تشبهنا وربما تكون نماذج في أغلبها منحرف وممسوخ.
فأين نحن؟ هل نهب أطفالنا لغيرنا ونسلمهم عقول أبنائنا، ليعبثوا بها كيف يشاؤون ويخلقون منهم مسوخاً، بينما نقف نحن في دور المتفرج السلبى؟
كيف نربي مواطناً مصرياً بهويةٍ مصرية، ونحن نحشو أفكاره بكل الثقافات و الهويات إلا ما يمت بصلة لهوية مصر.
متى تتحرك الدولة إعلامياً وثقافياً و تعليمياً و رياضياً نحو الطفل بمحتوى حقيقي جاذب، لماذا لا تقام مسابقات لأدب الطفل وتوزع في المدارس قراءات من قصص الأطفال.
علينا أن نتدخل في تشكيل وعي وثقافة جيل جديد، بمؤسساتٍ ونماذج قادرة على خلق الإبداع، وتحريك نهم العلم وشغف التعلم لدى الطفل، و إخراج روح الابتكار والاكتشاف في داخله ، بقيمنا المصرية الأصيلة الخالصة، و إلا فإننا نحكم على نصف الأمة اليوم وكلها غدا بالموت.
الطفل المصري يستحق أن يكون أولوية الدولة لأنه أغلى مقدراتها واهم استثمار دونه لن يكون لهذا البلد مستقبل، وهذا ما يعيه جيداً أعداء الأمة المصرية ويتعاملون معه بكل جديه وتكريس لجميع أسلحتهم، من ميديا و إعلام وألعاب الكترونية خبيثة، تخاطب غرائزهم وتشوه قيم الأسرة وتتلاعب بهوايتهم الجنسية والدينية، والقومية وتشكل هوية بصرية، زائفة لهم عن أنفسهم، إنهم يهدفون لخلق نماذج مشوهه فارغة، و مسطحة و مريضة نفسيا و متبلدة عاطفيا ً، فهل أعددنا أسلحتنا، أم أننا سننتظر أن تتحقق الكارثة، ثم نهرع للعويل والبكاء ومحاولات الإنقاذ المتأخرة!
لقد تخطى الوضع من الخطورة قدرات الرقابة الأسرية، والنصائح الأبوية، فقد تم اختراق بيوتنا فعليا، وفوق هذا فإننا نتعامل مع جيلٍ يفوقنا بمراحل في السرعة والقدرة العالية والمرونة في تعامله مع الذكاء الاصطناعي، ولم يعد يمكننا اللحاق بهم ، وعلى الدولة أن تعلن التعبئة العامة وتجيش جميع أسلحتها الحضارية، مستدعية تاريخنا العريق وجيناتنا المصرية، وتشكل كوادر إعلامية وثقافية وتعليمية ودينية و اجتماعية ونفسية وعلمية، لخلق بيئة مترابطة من كُتابٍ ومنتجين ومبدعين وقنوات، قادرة على التوجه لمخاطبةٍ عقول أطفال في منتهى الذكاء ، وتحترم ذكائهم و قدراتهم و اختلافهم.
لنعيد أطفالنا لهذه الأرض، علينا أن نجعلهم منجذبين لمحتوى مصري، بلهجةٍ مصرية، وملابس عليها نماذج كرتونية مستوحاة من مصريتنا الثرية بالحضارات والتاريخ.
فلماذا لا تتشكل لجنة من مختلف الكوادر تشرف على انتقاء أفلام مخصصة للطفل ومحتوى موجه للأطفال من كل أنحاء العالم، و ترجمتها و دبلجتها، وتقديمها في عروض سنيمائية جماعية لطلاب المدارس في يوم محدد من كل شهر و يتم عرضها على قنواتنا.
أتمنى أن يأتي قريباً اليوم الذى نرى زي مدرسي مستوحى من أزياء المصريين القدماء بشكل عصري، و أن يتعلم أطفالنا لغتهم المصرية كمان يتعلمون الإنجليزية، والفرنسية وغيرها ، نريدهم أن يقرأوا قصص من التاريخ المصري وحضارته، وأن يكون لدينا صناع محتوى مصريين منشغلين بغرس القيم المصرية وتشكيل الهوية وربط هذه الأجيال بوطنها ورموزها التاريخية والفنية وجذورها الحقيقة ، قبل أن تكتمل عملية اختطافهم من أحضاننا ومن أرضنا ويتغربون عنا بلا عودة!
علينا الآن أن نبدأ في التحرك لوضع اللبنة الأولى للجمهورية الجديدة والتي يمكنها أن تعود تلك الإمبراطورية الأعظم على وجه الأرض، والأقوى بما نملك من تاريخ عظيم ، وجيل من أطفال أذكياء هم نواة مستقبل والثروة القومية الأعظم لخير أمة (مصر).