سيناء.. مطمع الغزاة على مر العصور، أرض الفيروز وقطعة عزيزة من أرض مصر رويّت بدماء ألاف الشهداء على مر تاريخها.
مصر والإرهاب
عانت مصر من أحداث العنف التي اندلعت فيها وفي المنطقة العربية بداية من 2011، ومع تصاعد العنف في يناير 2011 بدأت الجماعات الإرهابية في شن عدة هجمات متتالية ومتتابعة من الحدود الشرقية في سيناء والحدود الغربية مع ليبيا والحدود الجنوبية مع السودان، ولم يكن الجيش بتلك القوة التي عليها الآن، ولم يكن يتعامل بنفس التكتيكات القتالية الحالية، فهو مبني لمهمة واحدة وهي حماية حدود مصر، على الطريقة التقليدية، التي تعتمد إستراتيجية الحروب البرية الشاملة، والآن تغيرت تلك الإستراتيجية ولم تعد تجدي نفعًا مع مليشيات إرهابية منتشرة في المناطق الحدودية وداخل الدولة، بسبب تنفيذهم العمليات الإرهابية بطريقة الذئاب المنفردة، واستعمالهم أسلحة خفيفة ومتوسطة وعربات دفع رباعي وحفر شبكات الأنفاق العنكبوتية المتشابكة حتى قطاع غزة، بالإضافة لاستخدام قاطني المناطق المتواجدين بها كدروع بشرية، مما يصعب الأمر على القوات المسلحة في الدخول في عملية شاملة والقضاء عليهم، مما دفع الجيش المصري لتغيير تكتيكاته القتالية لمجابهتهم، وفي سبيل ذلك قام الجيش المصري بعدة عمليات عسكرية كبرى لتطهير سيناء من الإرهاب، ضمن حرب مريرة كان كفؤ لها وعلى قدر المسؤولية.
الجيش المصري والجماعات التكفيرية:
صد الجيش المصري هجمات الجماعات الإرهابية التكفيرية على كافة الأنحاء في مصر بداية من أحداث 2011 وما تبعها، بتكتيكات قتالية وأسلحة حديثة مكنته من محاصرتها والقضاء عليها.
وفيما كان الجيش المصري والشرطة منفردين في الحرب، انقسم التكفريين إلى عدة جماعات بمسميات مختلفة مثل:
– تنظيم أنصار بيت المقدس.
– عناصر متطرفة من البدو.
– تنظيم جند الإسلام.
– جماعة التكفير والهجرة.
– تنظيم القاعدة.
– جماعة التوحيد والجهاد.
– تنظيم أنصار الشريعة.
– تنظيم مجلس شورى المجاهدين.
– تنظيم أجناد مصر.
– تنظيم جيش الإسلام.
– تنظيم أنصار جند الله.
– تنظيم داعش.
– تنظيم ولاية سيناء، الذي أعلن مبايعة داعش.
– عناصر من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس بغزة.
وجميعهم انبثقوا عن الجماعة الإرهابية الأم “الإخوان المسلمين”، وتم تدريبهم على أيدي أجهزة المخابرات الغربية مثل الـSIS البريطاني، والـCIA الأمريكي، ودعم من الموساد الإسرائيلي، بالإضافة إلى تمويلهم عن طريق دول الخليج في البداية عبر دعمهم للإخوان، وبالتحديد قطر التي استمرت في تقديم الدعم لهم.
العمليات العسكرية في سيناء
– العملية نسر 1:
بدأت العملية نسر في 12 أغسطس 2011، عقب تفجيرات عدة استهدفت أنبوب تصدير الغاز إلى إسرائيل، وإعلان تنظيم أطلق على نفسه اسم “جيش تحرير الإسلام”، حيث كان يعتزم تحويل سيناء إلى “إمارة متطرفة”، وتم خلالها تصفية واعتقال عشرات التكفيريين.
– العملية نسر 2:
بدأت في 5 أغسطس 2012، شن الجيش المصري حملة عسكرية لتطهير سيناء من البؤر الإرهابية ردًا على استشهاد 16 جنديًا في هجوم إرهابي بالقرب من معبر كرم أبو سالم بمحافظة شمال سيناء.
وتم تنفيذ العملية على مرحلتين بدعم من القوات الجوية و البحرية، وتم آنذاك، تدمير 31 نفقًا على الحدود مع قطاع غزة، وتصفية 32 تكفيري خلال العمليات الأمنية، وتم مصادرة كميات كبيرة من الأسلحة
– عملية حق الشهيد:
بدأت في سبتمبر 2015، أعلنت القوات المسلحة عملية عسكرية باسم “حق الشهيد”، للقضاء على العناصر الإرهابية في عدة مناطق بمحافظة شمال سيناء، واستمرت المرحلة الأولى منها 16 يومًا، تم خلالها تصفية العشرات من التكفيريين في مناطق رفح، والشيخ زويد، والعريش، بشمال سيناء.
تلاها تدشين “المرحلة الثانية” من العملية، بهدف تهيئة الظروف المناسبة لبدء أعمال التنمية بسيناء، وفق بيان ثان للجيش المصري، ثم بعدها المرحلتان الثالثة والرابعة عبر تمشيط البؤر الإرهابية بالكامل وتدميرها، بالإضافة إلى إحكام السيطرة على المدن الثلاث.
واستمرت العملية بمراحل مختلفة حتى عام 2017، ونجح الجيش المصري في تصفية نحو 500 من العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم “أنصار بيت المقدس” بشمال سيناء، وتدمير 130 سيارة و250 من الأهداف والمخابئ ومناطق تجمع تلك العناصر، بخلاف مخازن واحتياجات إدارية.
وكانت سيناء قد شهدت نشاطًا مكثفًا من الجماعات التكفيرية الذين شنوا هجمات على قوات الأمن والجيش، منذ أن عزل الجيش المصري محمد مرسي إثر تظاهرات مليونية حاشدة في 30 يونيو 2013، ضده وضد جماعة الإخوان المسلمين وتم إعلان عزله في يوليو 2013.
كما قام الجيش المصري بمد يده إلى الخارج أيضًا عبر توجيه ضربتين جويتين داخل ليبيا في فبراير 2015 ومايو 2017 ضد العناصر الإرهابية بعد تنفيذهم لعمليات إرهابية داخل مصر إنطلاقًا من الأراضي الليبية.
– الضربة الجوية الأولى في ليبيا:
في 16 فبراير 2015، شنت مصر ضربة جوية على مدينة درنة شرق ليبيا، ردًا على بث تسجيل مصور لتنظيم “داعش” الإرهابي، أظهر عملية إعدام جماعي ذبحًا لـ 21 مصريًا مسيحيًا كانوا قد اختطفوا من قبل مليشيات مسلحة بمدينة سرت الليبية خلال شهر ديسمبر 2014.
– الضربة الجوية الثانية في ليبيا:
في 26 مايو 2017، عقب مقتل 28 شخصًا وإصابة 25 آخرين في هجوم مسلح استهدف حافلة بمحافظة المنيا، مقاتلات تابعة لسلاح الجو قصفت أهدافًا ومواقع للإرهابيين داخل ليبيا.
ومساء اليوم ذاته قال الرئيس السيسي في كلمة متلفزة، بعد إجتماع مع القيادات الأمنية والعسكرية، إن “القوات الجوية المصرية وجهت ضربة جوية مركزة داخل العمق الليبي استهدفت تنظيمات مدعومة من داعش، ردًا على حادث المنيا الإرهابي”.
– العملية الشاملة – سيناء 2018:
وفي فبراير 2018، أعلن المتحدث العسكري، العقيد تامر الرفاعي، بدء خطة مجابهة شاملة ضد العناصر الإرهابية في عدة مناطق بينها شمال ووسط سيناء.
والخطة التي أعلنها الجيش المصري لها 4 أهداف هي:
1- إحكام السيطرة على المنافذ الخارجية.
2- ضمان تحقيق الأهداف لتطهير المناطق من البؤر الإرهابية.
3- تحصين المجتمع المصري من شرور الإرهاب والتطرف.
4- مواجهة الجرائم الأخرى ذات التأثير.
وقال المتحدث العسكري في بيان: “قامت القوات المسلحة والشرطة برفع حالة التأهب القصوى لتنفيذ عملية شاملة على الإتجاهات الإستراتيجية في إطار مهمة القضاء على العناصر الإرهابية”.
وأسفرت العملية الشاملة عن الآتي:
– تصفية أكثر من 550 تكفيري والقبض على أكثر من 1000 عنصر إرهابي.
– اكتشاف وتدمير أكثر من 1685 عبوة ناسفة و 600 وكر ومخبأ، و 1086 عربة و 1170 دراجة نارية.
– اكتشاف وتدمير 420 مزرعة نباتات مخدرة و 120 طن مواد مخدرة و 30 مليون قرص مخدر.
– اكتشاف وتدمير أكثر من 20 نفق بشريط الحدود بشمال سيناء.
نتائج العمليات العسكرية في سيناء:
أسفرت الضربات القاصمة للقوات المسلحة المصرية على التنظيمات الإرهابية التكفيرية في سيناء عن:
– اكتشاف وتدمير 273149 مئتان وثلاث وسبعون ألفًا و مئة و تسع وأربعون نفقًا ومخبئًا.
– تدمير وضبط 1119 ألف ومئة وتسعة عشر سيارة دفع رباعي.
– ضبط 1369 ألف وثلاث مئة و تسع وستون قطعة سلاح متنوعة، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الذخائر مختلفة الأعيرة.
– ضبط 1790 ألف وسبعمائة وتسعون جهاز لاسلكي وحاسوب.
– انخفاض إجمالي أعداد العمليات الإرهابية
رصدت الإحصائيات الرسمية تدني أعداد الهجمات الإرهابية في مصر بشكل كبير للغاية، بعد أن شهدت البلاد ارتفاع تدريجي وكبير بموجة الضربات الإرهابية، وهي على الترتيب التالي:
39 عملية إرهابية في 2013 و 222 عملية إرهابية في 2014 وذروة العمليات كانت في 2015 بعدد 594 عملية إرهابية، و 199 عملية في 2016 و 50 عملية في 2017 أبرزها عملية إرهابية دموية في 24 نوفمبر، فُجِّر فيها مسجد الروضة أسفر عن استشهاد أكثر من 320 من المصلين الآمنين، و 8 عمليات في 2018 و 4 عمليات فقط خلال عام 2019، تلاها اختفاء العمليات الإرهابية بشكل كامل في المحافظات الداخلية خلال الأعوام الثلاثة الماضية 2020 و2021 و 2022.
– إلغاء حالة الطوارئ:
أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكتوبر 2021 وقف تمديد حالة الطوارئ المفروضة على جميع أنحاء البلاد منذ عام 2017، وهو الإعلان الذي عُدّ من قبل العديد من الخبراء بمثابة تتويج لجهود الدولة التي استمرت طيلة السنوات السبع الفائتة لدحر الإرهاب، وهو الأمر الذي يحمل في طياته دلالة بأن الدولة المصرية تمتلك من مقومات القوة الشاملة ما يؤهلها لمجابهة كافة التحديات الداخلية والخارجية، وفرض معادلة الإستقرار الأمني الشامل في كافة أرجاء البلاد.
– تراجع تصنيف مصر في مؤشر الإرهاب العالمي:
بدءًا من عام 2018، خرجت مصر من قائمة الدول العشر الأكثر تأثرًا بالإرهاب عالميًا في تصنيف مؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي، والذي يقدم ملخصًا شاملًا للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسة للإرهاب سنويًا.
حيث تراجعت مصر في النسخة التاسعة للمؤشر المنشورة بتاريخ 1 مارس 2022، إلى المرتبة الخامسة عشر بعد أن حلت في المرتبة التاسعة عام 2017، وأرجع المؤشر الفضل في ذلك إلى جهود القوات المسلحة المصرية في التصدي للإرهاب.
وكل ذلك ما هو معلن فقط، وذلك قطرة من بحر، فبعض العمليات لم يتم الإعلان عنها لمساسها بالأمن القومي.
وبعد حرب استمرت 12 عام و حتى الآن، دخلت سيناء ضمن خطة الدولة المصرية لرؤية 2030 للارتقاء بالدولة، وتنفيذ مئات المشاريع القومية الكبرى وربط سيناء بمصر الأم عبر الأنفاق، ولا زالت التنمية مستمرة في سيناء.
وما كان ذلك ليتحقق لولا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رجال أقسموا على حماية مصر، وأوفوا القسم.
تحية إجلال وتقدير وشكر وعرفان وامتنان لكل شهداء مصر من القوات المسلحة والشرطة والأجهزة الأمنية المصرية، التي أدت رسالتها على أكمل وجه، تحية إجلال وتقدير للجيش الذي لازال يحمي مصر من أكثر من 7000 عام وحتى الآن، لكم كل السلام.