أسباب كل هذا الدمار الذي لحق بتركيا جراء الزلزال
كتبت: نسرين طارق
” 75 ألف مبنى في منطقة الزلزال بجنوب تركيا حاصل على قرارات عفو متعلقة بسلامة البناء”.
أثار انهيار المباني غضب الأتراك الذي كشف الطريقة الرديئة التي شيدت بها ، الأمر الذي لم يترك فرصة لسكانها للنجاة، حيث قتل أكثر من 25 ألف شخص حتى الآن.
ما الأسباب وراء كل هذا الدمار الذي لحق بالمباني في تركيا جراء الزلزال؟
الإجابة تكمن في معايير البناء التي تتبعها تركيا والقوانين المنفذة لها، حيث أثار الدمار الواسع بالمناطق التي ضربها الزلزال في تركيا، والأسباب التي قادت إلى الانهيار السريع للمباني في البلاد، خصوصاً أن تلك المناطق شهدت في الماضي زلازل كبرى.
بحسب الإحصائيات حنى الآن أكثر من 12 ألف مبنى دمرت أو تضررت بشدة في تركيا، عقب الزلزالين اللذين أوديا حتى الآن بحياة أكثر من 25 ألف شخص.
وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أن السياسات الحكومية التركية سمحت “بالعفو” عن المقاولين الذين لم يلتزموا بقوانين البناء، بما في ذلك في المناطق المعرضة للزلازل، في محاولة لإحداث طفرة عمرانية.
لكن رغم قوة الزلزالين.. إلا أن الخبير في التخطيط وإدارة الطوارئ في “كلية لندن الجامعية” البروفيسور ديفيد ألكسندر، أشار إلى أنه “كانت أقصى درجة لهذا الزلزال عنيفة، ولكنها ليست كافية بالضرورة لهدم مباني جيدة التشييد”، وفقاً لشبكة “بي بي سي” البريطانية.
قوانين البناء في تركيا
في أعقاب الزلازل السابقة تمّ تشديد لوائح البناء في تركيا، بما في ذلك زلزال 1999 بمدينة إزميت، في شمال غرب تركيا، والذي سقط فيه 17 ألف شخص.
لكن يبدو أن القوانين، بما في ذلك المعايير الحديثة التي وُضعت في عام 2018، طُبقت بشكل سيئ، وفقاً للخبراء الأتراك.
في تصريحات للمهندس المعماري في إسطنبول أيكوت كوكسال: “على الورق تُحترم المعايير، مع عقود تُمنح لشركات خاصة تكلف بالتحقق منها”، بحسب وكالة “فرانس برس”. مضيفاً أن الإشراف على هذه الاتفاقيات “متساهل”، ما يمنح المقاولين مساحة أكبر لتطبيق القواعد أو عدم تطبيقها.
كما تعيق الإجراءات البيروقراطية تحميل المسؤولية إلى جهة محددة إذا حصل خطأ، لأن عدد الخطوات والموقعين كبير جدا إلى درجة يجعل من الصعب تحديد المسؤول في نهاية الأمر.
اقترح كوكسال حل لهذه المشكلة، فرض تأمين على جميع أصحاب الشأن ضد الممارسات المخالفة، يتضمن دفع تعويضات للمتضررين من جانب المقاولين المذنبين، مضيفاً: “هذا ما يُطبّق في أماكن أخرى من العالم، وينبغي أن يُطبّق في تركيا”.
الإعفاءات القانونية للمباني
إلى جانب إشكالية تطبيق قوانين البناء، ظهرت أيضاً مشكلة الإعفاءات القانونية للأبنية المخالفة.
فبحسب شبكة “بي بي سي”، إعتادت الحكومة التركية منذ الستينات، على إصدار عفو عام بشكل دوري للمباني التي تم تشييدها من دون شهادات السلامة المطلوبة، كان آخر عفو صدر عام 2018.
في حين ظهرت تحذيرات عدة من أن قرارات العفو هذه قد تؤدي إلى وقوع كارثة في حالة وقوع زلزال كبير.
رئيس اتحاد غرف المهندسين والمعماريين الأتراك في إسطنبول بيلين بينار جيريتلي أوغلو صرح ان ما يصل إلى 75 ألف مبنى في جميع أنحاء منطقة الزلزال المتضررة في جنوب تركيا حصل على قرارات عفو متعلقة بالبناء.
وقبل أيام قليلة من وقوع الكارثة الأخيرة، ذكرت وسائل إعلام تركية أن مشروع قانون جديد ينتظر موافقة البرلمان، من شأنه منح عفو إضافي عن أعمال البناء الأخيرة.
الجيولوجي التركي جلال سينجور في وقت سابق من هذا العام، قال إنَّ تمرير مثل هذا العفو عن البناء في بلد تمزقه خطوط الصدع، يرقى إلى أن يكون “جريمة”.
تقرير لـ”بي بي سي” بعد الزلزال الذي ضرب مقاطعة إزمير الغربية في عام 2020، أن 672 ألف مبنى في إزمير، استفادت من آخر عفو أصدرته الحكومة. واستناداً لوزارة البيئة والتحضر والتغير المناخي التركية، تمّ في عام 2018 تشييد ما يعادل 13 مليون مبنى تقريباً، في انتهاكٍ للوائح.
استخدام مواد بناء رديئة
بالإضافة الى قوانين العفو، تظهر أيضاً النوعية الرديئة للإسمنت الذي يُمزج مع كثير من الماء والحصى وقليل جداً من الإسمنت، وفقاً لما ذكره المستشار في “جامعة إسطنبول التقنية” زيني تكين.
وأسباب أخرى إلى نوعية قضبان الحديد التي قد تكون رفيعة جداً، بحيث لا تتمكن من دعم الأعمدة، ما يحد من قوة البناء، بحسب ما نقلته “فرانس برس” عن تيكين.
مصطفى إرديك الأستاذ في “جامعة بوغازيتشي” بإسطنبول، أوضح أنه حتى “إذا انهار مبنى ما، يمكن للناس عادة الاختباء حتى تتمكن فرق البحث من إنقاذهم، لكن هذه المرّة تساقطت طبقات الأبنية فوق بعضها بعضاً كأنها صفائح”.
لكن تكين يلقي باللوم أيضاً على تدني مستوى تعليم المهندسين المدنيين والمهندسين المعماريين الأتراك، رغم ظهور جامعات خاصة في جميع أنحاء تركيا.
أصابع الاتهام تتجه للمقاولين
اتجهت أصابع الاتهام إلى المقاولين، إذ قُدِّمت أول شكوى قانونية، الجمعة الماضية، في محافظة ديار بكر الواقعة جنوب شرقي البلاد، ثم تبعتها شكاوى أخرى.
مما أدي الى توقيف نحو 12 مقاولاً في تركيا على خلفية انهيار آلاف المباني، حسب ما ذكرت وسائل الإعلام تركية السبت. وبين الموقوفين مقاول في محافظة غازي عنتاب و11 آخرين في محافظة شانلي.
كما يُتوقّع توقيف مزيد من المقاولين والمهندسين بعد إعلان المدعي العام في دياربكر إحدى المحافظات العشر المتضرر بالزلزال، إصدار 29 مذكرة توقيف وفقاً لوكالة أنباء الأناضول الرسمية.
وأمرت وزارة العدل التركية المدعين العامين في المحافظات العشر بفتح “مكاتب تحقيق في الجرائم المتعلقة بالزلزال”. واعتقلت الشرطة، الجمعة، مقاولاً في مطار إسطنبول، بعد انهيار مبنى على قاطنيه في محافظة هاتاي.
فرض الضرائب لم يمنع الخطر
بعد زلزال 1999، فرضت السلطات التركية الضرائب لجعل الأبنية أكثر مقاومة للزلازل وتعزيز السابقة وهدم المعرضة منها للخطر، لكن لم يحدث شيء، أنشئت مبان غير سليمة وعلى خط صدع الزلازل ومن دون رقابة وطرق ضعيفة، حتى دافعو الضرائب ذهبوا ضحية الزلزال، ويتساءل الجميع أين الدولة وأين الحكام، ويرى كون أن الوقت الآن هو للملمة الوضع وإنقاذ الضحايا وفي الوقت نفسه يجب ألا ننسى ذلك ونبدأ المحاسبة.
تراجع دور القوات المسلحة في الإنقاذ
تراجع الدور الذي تقوم به القوات المسلحة في مواجهة واحدة من أعظم الكوارث في تركيا،
حيث أنتقد العديد من الخبراء العسكريين الأتراك تراجع الدور الذي تقوم به القوات المسلحة من شريكة في الحل إلى مساعدة فيه، وذلك بموجب “قانون تأسيس هيئة إدارة الكوارث” في عام 2009، ويلاحظ هؤلاء أن طريقة عمل الهيئة ناقصة ولا تلبي احتياجات الكوارث، وفي هذا الإطار يقول الجنرال المتقاعد، طارق أوزكوت، “إن الجيش يحارب في الحرب العدو، وفي السلم يساعد في الكوارث”، وإنه على الرغم من كل شيء، فإن نظام التراتبية موجود فقط لدى الجيش، وفي هذه الحالة فإن المدنيين لا يمكن أن يقوموا بإدارة الوضع، مضيفاً إن إدارة الكوارث يجب أن تسلم للجيش ويتحدد قائدها ويمر كل شيء عبره، ولو كان هذا حصل، لكانت أنشئت مستشفيات ميدانية بدلاً من تلك التي تهدمت، وأرسل الأطباء العسكريون إلى المناطق المتضررة، ولهرع العسكر من دون تضييع وقت لمساعدة المواطنين.
الجيش له القدرة على العمل في عمليات الإنقاذ والمستشفيات والمطابخ وغير ذلك، حيث تم إضعاف جهازية القوات المسلحة التركية في هذا المجال.
وعلى رغم ذلك، فإن الجيش يبقى المؤسسة الأكثر تنظيماً في حالات الكوارث، و في الوضع الحالي الناتج عن الزلزال الأخير، كان يجب تكليفه بتولي مسؤولية مواجهته، أما الجنرال المتقاعد نجاتي إيسلين، فيلفت بدوره إلى أن تركيا عاشت كارثة غير مسبوقة، فيما بقيت هيئة إدارة الكوارث عاجزة عن تلبية الحاجات والمساعدة اللازمة، تجربة الجيش بعد زلزال 1999 كبيرة جداً وهو الجيش الثاني في حلف شمال الأطلسي، وكان يجب تكليفه بالتدخل في مناطق الزلزال وبأكبر عدد ممكن.
مخاطر مشروع GAP
تحتضن تركيا “سد أتاتورك” الذي يعتبر العمود الفقري لمشروع كاب GAP وهو الأخطر في العالم بحسب خبراء، ويعد سد أتاتورك من أضخم المشاريع المائية واكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في تركيا والذي استغرق بناؤه حوالي 10 سنوات، ويقع السد في أعالي نهر الفرات وعلى مسافة حوالي 80كم شمال غرب مدينة أروفا وعلى بعد حوالي 600 كم من العاصمة أنقرة بين مرتفعات هضبة الأناضول القريبة من الحدود السورية، وسد أتاتورك هو رابع أكبر سد ركامي في العالم وأحد أكبر منشآت مشروع جنوب شرق الأناضول GAP الذي يتكون من مجموعة سدود ومحطات توليد ومنشآت الري.
وطبقاً للخبراء، فأن مشروع GAP التركي له آثاره السلبية على تركيا نفسها كون المشروع يقع ضمن الحزام الزلزالي الفعال وإن منطقة المشروع تحتضن فالق الأناضول الكبير باتجاه شرق – غرب وإن إنشاء هذه المجموعة الكبيرة من السدود العملاقة ذات الارتفاعات العالية والسعات الخزنية الهائلة في فترة قصيرة بحدود (40-50) سنة سيؤدي بلا شك إلى اختلال التوازن الطبيعي وزيادة فعالية هذا الفالق الرئيسي والفوالق الأخرى في منطقة المشروع مثل فالق أو صدع (بوزوفا) القريب جداً من موقع سد أتاتورك العمود الفقري لمشروعGAP ومناطق الضعف الأخرى في المشروع بسبب البنية التكتونية والجيولوجية الضعيفة للمنطقة.
وتشير المعطيات والمؤشرات بان تحليلات المخاطر الزلزالية التي تم إجراؤها خلال دراسة للدكتور حسن طوسون بعنوان الزلازل والسدود نشر بتاريخ 20 ايار العام 2015، إلى أن سد أتاتورك العمود الفقري للمشروع واحد من أكثر السدود الحرجة داخل حوض نهر الفرات.
واستناداً إلى دراسات المؤلف الأخيرة الخاصة بتحليل المخاطر الزلزالية وتقييم استقراريه موقع السد الثابت والديناميكي، حيث تم في مرحلة التصميم الأولى للسد أخذ فالق الأناضول الشرقي لتحليل مخاطر الزلازل لموقع السد، بينما تشير الدراسة الحديثة التي أجراها المؤلف إلى الشيء الأهم هو الخوف من فعالية صدع (بوزوفا) القريب جداً من جسم السد وقد يكون مصدراً للزلازل لأن فالق أو صدع (بوزوفا) لديه إمكانات كبيرة لإحداث الزلازل لسد أتاتورك حيث يقع الفالق على بعد 3.0 كم من جسم السد وله اتجاه مواز لقمة السد، ويمكن أن ينتج هذا الفالق زلزالًا بقوة 6.5 إلى 7.0 درجة على مقياس ريختر.
لذلك ينبغي على تركيا إعادة النظر في سياستها المائية تجاه المشروع ليس بسبب معارضة العراق وسوريا فحسب بل بسبب رد فعل الطبيعة.
حيث أن تعرض أي من منشآت السدود إلى مشاكل زلزالية فستكون هنالك كوارث لا تحمد عقباها، يعاني سد أتاتورك أيضاً من بعض المشاكل الثبات ولا يمكنه تلبية معايير التصميم الزلزالي الحالية حيث أزدادت شدة الزلزال في موقع السد ومنطقة الخزان بعد أن تم حجز المياه في خزان السد منذ 30 عاماً حيث إن خزن كميات هائلة من المياه خلف السدود والتذبذب المفاجئ في مستوى مياه الخزان تسبب في إحداث هزات تعرف بالهزات الزلزالية المحتثة تصل قوة هذه الهزات إلى (6) درجات على مقياس ريختر .
وتسببت في أضرار بجسم السد وملحقاته، والحالة هذه فإن انهيار أي من هذه السدود ضمن مشروع GAP سيؤثر بشكل مباشر على السكان والأراضي الزراعية في كل من تركيا وسوريا والعراق مما يسبب كوارث طبيعية وخاصة السدود القريبة من الحدود السورية على نهر الفرات والسدود القريبة من الحدود العراقية في حوض نهر دجلة بسبب الطبيعة الطوبوغرافية لها.