كتب: الميقاتي أحمد شوقي
كنت أشاهد الأخبار عبر وسائل التكنولوجيا المتعددة من تلفاز و انترنت و وجدت التركيز على أمرين ، أحدهما كان تهيؤات العامة المنتشرة كثيرا عن أحداث النهاية و القيامة و التي سينتج عنها حربا كونية و ظهور كائنات علوية أو سفلية و حدوث كوارث ارضية و سماوية ثم هذا الصراع الديني الاخير بين اتباع الخير و اتباع الشر و الذي من وجهة نظر العامة سيكون صراع ما قبل النهاية و الفناء ، و ثانيهم أخبار الصراع الروسي الأوكراني و ما تطورت إليه الأحداث و كان الحدث الأبرز هو:
ردا على انفجار جسر القرم ، روسيا تقصف المدن الأوكرانية و تدمر البنية التحتية للطاقة مما أصاب خمس مقاطعات كاملة بالشلل التام و أوكرانيا توقف تصدير الطاقة.
لم يكن الخبر يثير في كياني شيئا من الاثارة و التوتر وقتها فهذه هي الحرب دائما ، حتى انقطعت الكهرباء عن بيتنا في نفس اليوم ليلا و قفز إلى خاطري فجأة هذا الخبر في نفس الوقت بالطريقة التي أصابتني بالذعر و وجدتني أقول:
لن تكون تلك الاساطير و النبوءات ما ستنهي العالم كما يؤمن العامة ، سوف تقتلنا التكنولوجيا الذكية التي نصنعها بأيدينا و إدمان استهلاك الطاقة ما سوف يجعلنا ننزلق سريعا نحو الشلل ثم الانهيار ثم الانقراض.
لم أكن اعلم في البداية لماذا انتابني هذا الشلل العقلي فجأة عندما جال هذا الخاطر داخلي محدثا كل هذا الذعر و هذا الكم من التهويل من مجرد انقطاع التيار الكهربي و لكن عندما هدأت أعصابي من فجأة الحدث وجدتني أفكر في هدوء و أعرف سبب ذلك التهويل.
عندما إنقطع التيار حدث شلل فعلي للحياة عندي، انقطعت المياه، فصلت جميع الأجهزة مما ينذر بفساد الاطعمة و عدم تنظيف الملابس، انقطع اتصالي بالعالم بعدما انتهى شحن الموبايل حيث لم يعد الخطوط الارضية وجود الان فعليا في البيوت، كان الظلام يسود المكان تماما بعدما انتهى شحن كشاف الإضاءة الاحتياطي ، لم تعد الدفاية الكهربية تعمل أو التكييفات مما جعلني اشكر الله انني لست في عز الشتاء فأموت متجمدا أو في الصيف فأموت اجهادا من الحر، و الأدهى من ذلك أني وجدت عقلي و جسدي لفترة قصيرة متوقفين عن التفكير أو العمل أي شئ بدون أجهزة التليفون المحمول و الريموت كونترول و راوتر الانترنت و لكن عندما مر الوقت و تعودت عيناي الظلام و هدأت نفسي حمدت الله مرة أخرى أنني من مواليد جيل العقد السابع من القرن الماضي حيث أن هذا الجيل بالذات أصبح يعرف بانه حلقة الوصل بين عصر الحياة ما قبل الكهرباء و عصر سيطرة التكنولوجيا الذكية على العالم.
كنا في الماضي إن انقطعت الطاقة عنا نكون مستعدين لذلك، نخرج من ادراجنا الشموع و نضيئها و نهتدي بها داخل البيوت و خارجها ، لم يكن هناك مشكلة مع تنظيف الملابس فالغسيل اليدوي متاح، عمليات التخزين و الحفظ المنزلية للأطعمة لم تكن تجعلنا نهلع من توقف الثلاجة عن العمل ، لم يكن هناك اتصالات من الأساس فكنا نتزاور عندما نجد الوقت لذلك و وقت انقطاع الكهرباء كان مثاليا لذلك و لكافة الأنشطة البشرية و الالعاب و الأعمال البدنية و العقلية و النفسية و القلبية.
كانت عندنا قوتنا و قدراتنا و انشطتنا البشرية التي تجعلنا نتأقلم على التغيرات البيئية و الطبيعية و المناخية ببساطة و احترافية الأمر الذي يجعلنا لا تفكر نهائيا فيما يسمى حاليا بتداعيات التغير البيئي و المناخي مثلما يحدث الآن.
أما أجيال البشر في هذا العصر فيتم تسليمهم حرفيا اسرى للتكنولوجيا الذكية بعدما أصبح اعتماد البشر عليها في هذا العصر بصورة شبه كاملة للدرجة التي أصبح كل شئ حولنا ينتج و يصنع و يحدث بطريقة مميكنة آلية سهل الوصول إليها مع وجود العديد من البدائل التي تجعل الإنسان يتوقف عن التفكير في أي حلول لأي مشاكل تهدد سلامه البدني و العقلي و النفسي و القلبي
و بالتقريب بدأت تتوقف قدرات و انشطه و قوى البشر عن العمل لصالح اعمال و قدرات التكنولوجيا الذكية و الآلية التي حلت محل انشطة و اعمال و حرف البشر و التي تعمل كلها بالطاقة و صار الجميع عبدا أسيرا لمحطات الطاقة و هو ما جعل خيرا مثل خبر ضرب روسيا لمحطات الطاقة الأوكرانية أمرا مفزعا مخيفا الى حد الموت.
تخيلوا معي ما سوف يحدث إن انقطعت الطاقة عن العالم لأي سبب.. غالبا ما سيكون بشريا، ماذا سوف يحدث في عصرنا الحالي؟
عالمنا الحالي هو عالم استهلاكي بمعنى الكلمة يعتمد بصورة أساسية على حركة النقل العالمية بكافة وسائلها إلا قليلا من مراكز الانتاج العالمية التي تعتمد هي الأخرى على مراكز المواد الخام الطبيعية و الزراعية و المعدنية و التي تعتمد على مراكز الانتاج في إنتاج الآلات و التكنولوجيا الحديثة في استخراج المواد الخام و إنتاجها، أي إنها دورة من التكنولوجيا الذكية التي تسيطر علينا سيطرة كاملة و يربط بينها شبكة نقل و باقي العالم مستهلك لكل ذلك و لا يقوم باي نشاط بشري منتج نهائيا لا لنفسه و لا لمجتمعه و أصبح البشر يعيشون فعليا في عالم مميكن تسيطر عليه الطاقة.
و وجدتني أتخيل ما سوف يحدث لأبنائي و أحفادي إن استمر الوضع و سيطرت التكنولوجيا الذكية سيطرة تامة على حياة الإنسان ، و أصبح المنتج و مستخرج المواد الخام و وسيلة النقل كلها تكنولوجية مميكنة تعتمد تماما على الطاقة و يختفي تماما النشاط البشري الذي لن يتعدى وقتها القدرة على ضغط الازرار و إصدار الاوامر فقط، ماذا سوف يحدث وقتها إن حدث خلل ما في الطاقة أو أمر تخريبي متعمد يدمر أو يوقف مصادر طاقة الآلات؟
ماذا لو انقطعت الطاقة عن أحفادي نتيجة ضرب البنية التحتية الطاقة و استمر الأمر لفترات طويلة قد لا يصلح معه عودة الطاقة للعالم لسنوات طويلة مثلما حدث مع أوكرانيا الآن في الخبر الذي سمعته و ما هو متوقع من انهيار الطاقة في أوروبا كلها ؟
الشلل التام للحياة على الارض و البشر للدرجة التي تجعلهم حتى لا يستطيعون التحكم في أنفسهم أو فعل أي نشاط بشري يجعلهم يعيشون و النتيجة:
مع الموجة الأولى يموت كبار السن و المرضى و الرضع.
مع الموجة الثانية تبدأ الصراعات البشرية من أجل الحياة لمن يقدر على الصراع و يتحول العالم إلى غابة.
حتى الأقوياء جسديا المتبقين لن يصمدوا امام قوة و تغير الطبيعة على اجسادهم للدرجة التي تجعلهم يموتون بردا أو حرا بدون أي رد فعل عقلي أو بدني منهم على ذلك
لماذا ؟
لأنهم فقدوا بالفعل كل قدراتهم و قوتهم البدنية و العقلية و النفسية و القلبية من قبل لصالح التكنولوجيا الذكية التي استعبدتهم سابقا و سلبت منهم فجأة ، أصبحوا كالمريض في العناية المركزة يعيش مشلول القدرة حتى إذا فصلت عنه الأجهزة فجأة نازع قليلا و مات سريعا.
لن يفني البشر حربا كونية و لا كائنات علوية أو سفلية و لا كوارث ارضية و لا سماوية و لكن أفعال البشر في أنفسهم و طمعهم في أكبر قدر من الرفاهية هو ما سيقتلهم و يدفعهم للانقراض
لذلك فإني أعتقد أننا لكي نتلافى هذه الكارثة العالمية التي قد تفني البشر فعليا أن تحاول الدولة و أقول الدولة دون غيرها أن تحاول التفكير في طريقة لعودة التفكير في بناء و تطوير قدرات البشر الطبيعية و تنمية الحرف و الأعمال البدنية و العقلية و الفكرية و الفنية للصغار و لمن يقدر من الكبار جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالتكنولوجيا الذكية و استخداماتها و تطويرها و لا نترك كل حياتنا لرفاهية التكنولوجيا المميتة ليصبح عند أحفادنا خط دفاع طبيعي يقيهم كارثة انقطاع التكنولوجيا و الطاقة عنهم
أعلم ان الدولة تولي التعليم الفني و الصناعي و الزراعي أهمية و لكن لابد ان يتحول هذا الاهتمام إلى اهتمام شعبي لا حكومي ، لابد ان يصبح احتياجا شعبيا يجعل البشر يتحولون من الاهتمام يتوفير الرفاهية لانفسهم إلى الاهتمام بتطوير و تنمية قدراتهم البشرية الجسدية و العقلية و القلبية و النفسية
لابد ان يكون هذا هو طريقهم من الطفولة ، لابد ان يتعلم الاطفال كيف ينمون قدراتهم الذاتية و يستخدمونها بطريقة طبيعية قبل أن يفكروا في أي التكنولوجيا التي ستوفر لهم الرفاهية
لابد للأطفال إن يتعلموا إن قيمة الصنعة اليدوية و الحرفة الإنسانية اهم من التعلم في حد ذاته و إن التعليم ما هو إلا وسيلة لتنمية القدرات و المهارات البشرية لا كتب و علوم يحفظونها ليمروا من امتحان وهمي لا يضيف لهم شيئا و ينتج مجموعة من البشر العاطلين العاجزين في النهاية
عاجزين عن الحياة مع أنفسهم و مع الطبيعة
اما ان تم توظيف التكنولوجيا الذكية لخدمة تطوير و تنمية القدرات و المهارات البشرية جسمانيا و عقليا و نفسيا و قلبيا و مساعدتهم بها على التكامل مع المجتمع و الطبيعة لا إن يتحكموا بها و لا بهدف توفير رفاهيه مزيفة تدفع البشر للشلل المهاري وقتها يمكن ان تكون التكنولوجيا الذكية سببا في الحياة
و نقول أخيرا إن تحول نظام التعليم للأطفال من نظام التعليم التلقيني إلى نظام التعليم الحرفي و المهاري يمكن ان يكون هو السبيل الوحيد يوما ما الذي سيجعلنا نتلافى الانقراض نتيجة فقدان الطاقة و غضب الطبيعة علينا،
يمكن…