fbpx
معرفةوعي ميتر

من يمتلك ريموت كنترول المناخ؟

 

تركز المؤسسات العسكرية في العالم المتقدم على توظيف المعرفة العلمية في تطوير أسلحة غير تقليدية لتعزيز التفوق العسكري لدولهم والحفاظ على الصدارة العسكرية.

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة تصاعد استخدام مصطلح “العلوم العسكرية” تعبيراً عن هذا التوظيف المتصاعد للعلوم الطبيعية من جانب وزارة الدفاع الأمريكية لخدمة غايات عسكرية في مقدمتها مواجهة التهديدات السوفيتية.

علوم المناخ والمجال الجوي ضمن هذه العلوم التي ركزت عليها المؤسسة العسكرية الأمريكية، حيث قامت القوات الجوية الأمريكية بتمويل مشروعات بحثية لدراسة التحكم في المناخ، وتحويله لسلاح لاستهداف أعداء الولايات المتحدة.

التحكم في المناخ:

اهتم الجيش الأمريكي بدراسة التغير المناخي منذ الحرب العالمية الثانية وذلك بهدف التحكم في المناخ من خلال السلاح الجوي، ولم تكن المحاولات الأمريكية هي الأولى من نوعها في هذا الصدد؛ حيث اتجه الجيش الأمريكي إلى إنشاء نظام لدراسة الأرصاد الجوية منذ عام 1946، كما حدثت بعض التجارب للتحكم في الأمطار.

مع حلول عام 1951 تم إنشاء مشروع “سيروس الجديد  للتحكم في المناخ” بغرض التحكم في الأعاصير بالاعتماد على بعض المواد الكيمائية على سطح المحيط، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل وأدت إلى نشوب حرائق كبرى وتلوث البيئة البحرية.

واهتم الرئيس الأمريكي “أيزنهاور” بقضية التحكم في المناخ بشكل خاص، وقام بتعيين “هارولد أورفيل كمستشاره الخاص بالطقس، وقام أورفيل بمحاولة ترسيخ فكرة أن هناك “سباق مناخ” (Weather Race) بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، ولم يكتف أورفيل بنشر هذه الفكرة في أوساط النخبة الحاكمة بل حاول نشرها بين العامة من خلال تداولها في الصحف.

ومع حلول عام 1974 عاد الاهتمام مجدداً بموضوع التحكم في المناخ، حيث تأخر إطلاق المركبات الفضائية لتجنب تأثيرات البرق والصواعق، كما بحث العلماء إمكانية استخدام الاستمطار الصناعي في استصلاح الأراضي وزراعة المناطق الصحراوية بهدف التحكم في انتشار التكتلات البشرية في الأقاليم الأقل جذباً للسكان.

برامج عسكرة المناخ:

أشارت تسريبات البنتاجون في عام 1971 إلى أن الولايات المتحدة حاولت استخدام المناخ كسلاح خلال حرب فيتنام، حيث تم إبلاغ عدد قليل من الأشخاص بهذا البرنامج وهم: الرئيس الأمريكي، ووزير الدفاع، ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بالإضافة إلى عدد من الشخصيات العاملة داخل الدولة.

وتذكر التسريبات أن الولايات المتحدة استخدمت الاستمطار الصناعي في جنوب فيتنام عام 1963 لتفريق احتجاجات الرهبان البوذيين، وقد دفعت هذه التسريبات عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وعلى رأسهم السيناتور “كليبورن بيل” للمطالبة بوضع معاهدة دولية لحظر التعديل المناخي والبيئي خلال الحروب.

وخلال جلسات الاستماع التي عقدت حول هذه القضية أشار عدد من القادة العسكريين إلى أن الولايات المتحدة قامت بإنشاء برنامج يهدف إلى زيادة الرطوبة والأمطار في مجموعة من المناطق بجنوب شرق آسيا لأغراض سلمية، وبلغت تكلفة هذا البرنامج ما يقدر بحوالي 3,6 مليون دولار سنوياً، وتوقفت العملية في 1 نوفمبر 1968، ودار جدال شديد حول ما إذا كانت الولايات المتحدة استخدمت المناخ لغرض سلمي أم حربي؟

ولحسم الجدل حول هذا الأمر أصدرت الولايات المتحدة مذكرة في 2 مايو 1972 تؤكد أنه سيتم إجراء تجارب لتعديل المناخ لأغراض علمية فقط، وستجري هذه التجارب تحت إشراف مجلس الأمن القومي الأمريكي.

حظر تعديل المناخ:

رداً على التحركات الأمريكية المتسارعة في مجال التعديل المناخي قدم الاتحاد السوفيتي مشروع اتفاقية للجمعية العامة للأمم المتحدة تحظر استخدام التعديل المناخي والبيئي لأغراض عدائية وذلك في عام 1974.

وفتح باب التوقيع على اتفاقية “حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض  عسكرية أو لأية أغراض عدائية أخري” (ENMOD) في مايو 1977، ودخلت حيز النفاذ في أكتوبر 1978، وتنص الاتفاقية على أن تكنولوجيا التعديل البيئي (Environmental Modification Technology) لا يجب أن تستخدم في أي أغراض عسكرية أو عدائية لأنها تؤدي إلى إلحاق الضرر الشديد بالحياة البشرية، والموارد الطبيعية والاقتصادية على المدي البعيد.

وهو ما يعني أن الاتفاقية لم تحظر التعديل البيئي لأغراض عسكرية مادامت تأثيراته محدودة، وفسرت الولايات المتحدة الأمريكية الاتفاقية على أنها تعني حظر التعديل البيئي الذي يشمل مناطق على بعد مئات من الكليو مترات، وبعيدة المدي أي أن تأثيراتها مستمرة لمدة عدة أشهر، وتنطوي على اضطراب كبير أو إلحاق الضرر بالحياة البشرية، والموارد الطبيعية والاقتصادية.

كما فسرتها على أنها تسمح للولايات المتحدة بتلقي طلبات للمساعدة في عمليات تعديل الأحوال الجوية من دول أخري أو منظمات دولية، وهو ما دفع الولايات المتحدة للاستمرار في بحوث التحكم في المناخ والظواهر الطبيعية المرتبطة  به مثل الأمطار والسحب، والأعاصير.

تطور الاستخدامات السلمية:

تزايد الاهتمام بعملية التعديل المناخي في الولايات المتحدة الأمريكية لأغراض سلمية منذ بداية التسعينيات، فتم السعي لإيجاد آلية تهدف لحماية المواطنين الأمريكيين من التغيرات المناخية القاسية بالتعاون بين مجموعة من العلماء والقوات الجوية الأمريكية، وهو ما عبر عنه مؤتمر (Battlefield Atmospherics conference) المنعقد في عام 1991 في تكساس بالولايات المتحدة تم مناقشة استخدام التقنيات الفيزيائية في إنتاج السحاب الذي سينتج بدوره أمطار ستساهم في زيادة المحاصيل الزراعية.

وفي عام 1996 قام الرائد “باري كوبل” من سلاح القوات الجوية الأمريكية بإعداد تقرير أشار فيه إلى  أن التعديل المناخي سلاح يمكن أن يساعد الولايات المتحدة في أوقات السلم والحرب أيضاً.

وأشار أن روسيا قد طورت عدة تجارب في هذا الصدد، وتنفق الصين ما يقدر بحوالي 100 مليون دولار سنوياً للتحكم في الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية، كما أنها تمتلك ما يزيد عن 1500 باحث متخصص في مجال التعديل المناخي.

وتزايد هذا الاهتمام بعد إعصار كاترينا في عام 2005 إذ تم البحث عن آليات تهدف للتحكم في المناخ، وهو الأمر الذي تم مناقشته في الكونجرس ليتم بعدها وضع قانون ينص على ضرورة إنشاء استراتيجية شاملة لبحوث تعديل المناخ، وبرنامج وطني لبحث وتطوير تعديل المناخ للأغراض السلمية.

ومن المرجح أن يستمر الاهتمام العسكري بدراسات التحكم في المناخ سواء لتنفيذ مهام سلمية أو عسكرية، خاصة في ظل تخصيص الصين وروسيا موارد مالية ضخمة لتطوير آليات وأدوات غير تقليدية للتحكم في المناخ والظواهر الطبيعية المرتبطة به مما يعزز من احتمالية تفجر سباق بين القوى الكبرى في النظام الدولي لتسليح المناخ.

في النهاية أصبح المناخ والتحكم فيه أحد أدوات الحروب.. من يمتلك ريموت كنترول المناخ.. يمتلك التحكم في مصائر ملايين البشر.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى