تحل اليوم ذكرى معركة قونية التي وقعت في 21 ديسمبر، عام 1832، بين مصر والدولة العثمانية، وانتهت بانتصار المصريين، وهزيمة الأتراك هزيمة ساحقة.
بدأت المعركة يوم 18 ديسمبر سنة 1832 حينما وصلت طلائع الجيش التركي بقيادة رشيد باشا الى شمال قونية، وكانت مؤلفة من الجنود غير النظامية فناوشهم إبراهيم باشا ليتحقق من مدى قوتهم، ولما أحس ضعفهم أراد أن يجبرهم على القتال، لكن رشيد باشا تجنب الدخول في معركة فانقضى يوم 18 و 19 ديسمبر في مناوشات حربية، حتى استولى المصريون على كثير من الأسرى وغنموا الكثير من الغنائم.
وفى صباح يوم 20 ديسمبر تقدمت جيوش رشيد باشا إلى قونية، وأخذ كل من القائدين يرتب موقع جنوده، وفى اليوم التالي، يوم الواقعة كان الضباب يخيم على ميدان القتال من الصباح فحال دون اكتشاف كل من القائدين موقع الجيش الآخر، لكن إبراهيم باشا كان يمتاز على رشيد باشا بأنه درس الجهة التي دار فيها القتال دراسة دقيقة، ومرن جنوده على المناورات فيها، قبل اشتباك الجيش.
ورابط الجيش المصري شمالي قونية، واصطف الجيشان في مواقعهما، بحيث يفصل بينهما نحو 3 آلاف متر، ومرت لحظة خفت فيها وطأة الضباب قليلا فتمكن إبراهيم باشا من أن يلمح موقع الجيش التركي، و قد رتب خطة الهجوم ترتيبا محكما، وقبل أن يبدأ إبراهيم باشا بالهجوم تقدمت صفوف الأتراك حتى صارت على بعد نحو 600 متر من مواقع المصريين، وأخذت المدافع التركية تطلق القنابل عليهم، فلم يجب المصريون على الضرب بضرب مثله إلى أن تعرف إبراهيم باشا على صوت الضرب من مواقع الأتراك.
وتقدم الصف الثاني من المصريين حتى اقترب من الصف الأول لتفادي فتك القنابل التركية التي كانت تنصب عليه، واتجه إبراهيم باشا الى بئر نمرة، الذى يقع على يمين الصف الثاني من الجيش المصري ليزداد علما بمواقع الأتراك، وهناك لمح مواقعهم، فهو معروف بأنه ثاقب النظر، لدرجة أنه لمح نقطة الضعف التي يصيب منها الهدف، وهى أن قوة الفرسان كانت تؤلف ميسرة الجيش التركي، وقد أخطأت القيادة التركية فى أنها لم تحكم الصلة بين الفرسان والمشاة أثناء التقدم، فحدثت بينهما ثغرة يبلغ طولها نحو 1000 خطوة جعلت الميسرة في شبه عزلة عن بقية الجيش.
وانتهز إبراهيم باشا هذه الفرصة، وأعتزم الدخول بقوات الحرس والفرسان في هذه الثغرة ليخترق صفوف الترك، وبادر بإصدار تعليماته لتحرك هذه القوات، وتولى بنفسه قيادة هذه الحركة، فزحفت قوة الحرس يتبعها الفرسان واجتازت البئر بقليل، ثم انعطفت نحو الشمال حيث ميسرة الأتراك وهاجمتها هجوما شديدا، وشدت المدفعية أزرها، فصبت قنابلها على الترك، و كان الهجوم شديدا، والضرب محكما، فتقلقل الترك من مراكزهم لشدة الهجوم، وتقهقروا شمالا من غير انتظام في المستنقعات، وبذلك انهزمت ميسرة الجيش التركي.
وكانت معركة قونية نصراً مبينا للجيش المصري، وصفحة فخر في تاريخ مصر الحربى، ولقد كانت من المعارك الفاصلة في حروب مصر، لأنها فتحت أمام إبراهيم باشا طريق إلى الأستانة، إذ أصبح على مسيرة 6 أيام من البسفور، وكان الطريق إليها يخلو من أي قوات تعترض زحفه، فلم تزد خسارة المصريين عن 262 قتيلاً و530 جريحاً، أما الجيش العثماني فقد أُسر قائده ونحو 5 إلى 6 آلاف من رجاله، من بينهم عدد كبير من الضباط والقادة، وقتل من جنوده نحو 3 آلاف، وغنم المصريون منه نحو 46 مدفعا وعددا كبيرا من الرايات، ومن هناك بدأ إبراهيم باشا يحضر إلى زحفه صوب الأناضول عاصمة تركيا.