كتب: د. تامر حسن
طبيب الأمراض الصدرية وعضو الجمعية المصرية لجودة الرعاية الصحية
بنشوف دايما في الافلام واحد مطلع بخاخة وبيرش كام رشة على شخص قدامه راح فاقد الوعي في ساعتها .. ولا حد طلع منديل مبلول يحطه على انف الضحية فتتخدر تماما .. ويفضلوا يشيلوا ويحطوا وينقلوا في الشخص المتخدر ده وهو نايم مش هنا ..
ودلوقتي ظهرت موضة جديدة .. الشك بالدبابيس والابر .. تلاقي كلام انتشر بشدة بيقول ان حد في المواصلات حست بشكة دبوس وبعدها راسها تقلت ورجلها نملت وحست انه هايغمى عليها ..
عزيزي القارئ .. كل ده هبد .. وغير صحيح .. ومش موجود حتى في افلام الخيال العلمي .. موجود بس عالسوشيال ميديا بتاعتنا وتروج له الصحافة الصفراء جهلا او عمدا للأسف .. عشان تتاجر في الفزع وتعمل ترند ..
تعالى اطمنك واقولك ليه الكلام ده هبد ..
التخدير نوعين .. كلي وجزئي ..
التخدير الجزئي: ده بيبقى العيان فايق فيه ومحتفظ بوعيه لكن المنطقة اللي فيها تدخل بس بتبقى هي المتخدرة .. زي البنج النصفي في الضهر لتخدير النصف السفلي من الجسم .. او البنج الموضعي اللي بيتحقن تحت الجلد او الاغشية المخاطية في حالات الاسنان او الغرز الجراحية.
نيجي للتخدير الكلي: اللي المريض بيفقد فيه الوعي .. فيه طريقتين .. إما الاستنشاق أو الحقن ..
النوع الأول ” الاستنشاق”..
كان زمان بيتعمل بمواد متبخرة اشهرها الكلوروفورم .. ودلوقتي بقا بمواد حديثة زي الايزوفلوران والسيفوفلوران .. وده بيعوز جهاز وقناع مخصص .. وتركيز وقوة ضخ معينة للغاز .. ودورة تبخير وتكثيف بتاخد وقت .. والمواد دي كمان غير متداولة للجمهور في الصيدليات .. وحتى صرفها للمستشفيات بيبقى معقد جدا ..
يبقى المنديل المبلول والبخاخة العجيبة اللي بتنيم فورا من غير تبخير ولا تكثيف ولا جهاز ولا قناع ولا ضخ زي ما بتشوفوا في الافلام كده مش اكتر من هبد في سياق الدراما .. اقصى حاجة ممكن تتعمل هو اني اعرض الشخص لمادة ريحتها كريهة ونفاذة لفترة طويلة فيحس بغثيان ودوار لكن لا بينام ولا يتخدر .. غير ان اللي رشها عليه هيدوخ هو كمان من الريحة ..
النوع التاني ” الحقن” ..
مفيش حاجة اسمها شكة دبوس .. ولا مخدر على سن ابرة .. التخدير بالحقن بيكون في الوريد عشان ضبط الجرعة وسهولة حسابها بدقة شديدة .. اما في العضل فانت محتاج كمية كبيرة من المخدر لا تقل عن ١٠ مل .. وعن طريق سرنجة كبيرة في عمق العضلة .. ولازم تستنى ٢٠ دقيقة على الاقل علشان تبدأ تعمل مفعول .. والموضوع ده مستحيل يتعمل في مواصلات او غير مواصلات ..
ولو فرضنا ان ده حصل .. الجرعة لو كانت اقل من المطلوب الشخص مش هينام .. ولو اكتر هيتعرض لشلل في العضلات ممكن توصل بيه في النهاية لتوقف عضلات التنفس وده من اسباب الوفاة .. حساب الجرعة بقا في الحقن العضلي صعبة جدا .. لإن معظم المادة المحقونة في العضل بتتكسر واللي بيفضل فعال فيها نسبة قليلة .. مش تقولي شكة دبوس ..
الخلاصة عشان منطولش عليكم اكتر من كده كل اللي شفتوه وسمعتوه عن افقاد الوعي بالبخاخة والمنديل وشكة الدبوس هو كلام فارغ لا اساس له من الصحة .. ولو كان افقاد الوعي سهل اوي كده كان تخصص التخدير اتلغى .. وكان كفاية ان الجراح يشك شكة ولا يرش رشة ويعمل العملية وكله تمام .. لا تحاليل ولا حساب جرعات ولا قياس علامات حيوية ولا اجهزة تخدير واجهزة تنفس صناعي وكل الحاجات دي .. كان كفاية الشكة والرشة .. عشان مايبقاش التخدير خسرنا كتير ..
مفيش داعي لأي فزع .. وماتدوش الفرصة لتجار الترندات يسرحوا بدماغكم ويتاجروا برعبكم وخوفكم .. كل ده هبد وكلام غلط .. وانا حاولت اصححه .. ربنا يحميكم ويحفظكم من خطف العقول قبل خطف الابدان.