وائل سليمان يكتب: الحرب الإعلامية “التالتة”.. من يحسمها.. سيف مكسور أم سهم مسموم
وَجَدَت نفسها وحيدة وسط المعركة بعد أن أُسقِطَ الجميع من حولها، سيفٌ مكسور هو كل ما تملُك.. والعدو من وراء جدارها يصوب سهمه المسموم إليها..
بعد أن عَدَّلَ استراتيجية المواجهة.. فلم تعد الأجساد هدفاً مباشراً له.. فقط كل ما يعنيه هو الاستحواذ على العقول وسلب الإرادة..حرب غير تقليدية.. وغزو من نوع جديد.
اعتمد العدو منهجه.. شَدَ وَتَرَ قُوسِهِ وأطلق سِهام التعصب والطائفية.. الشائعات والأكاذيب.. التدليس والتلبيس وقلب الحقائق.. الحريات المطلقة.. السخرية من كل الرموز.. بث الإحباط واليأس في النفوس.. وتكريس الإحساس بالدونية والعجز وقلة الحيلة.. تغيب الوعى وطمس الهوية.
لم يعد في حاجة إلى إرسال جنوده المُدَجَجِين بالسلاح والعتاد.. فلم تعد خزينته تتحمل تكاليف حروب تقليدية كما في السابق.. ولم يعد الرأي العام في بلاده يحتمل أعباء أخرى، ولم يعد شعبه يتقبل رجوع أبناءه في صناديق.
_ فتحت ذريعة الدفاع عن المصالح العليا.. خَدع شعبه، وباسم الديمقراطية وبإطلاق شعارات حقوق الإنسان.. وببشارات التقدم والرفاهية.. خَدع الآخرين.
_ نعم.. هو نوع جديد من الحروب.. خَطط له بخبثٍ وإحكام.. طالع تاريخ الأمم والشعوب.. و درس موروثاتهم من الثقافات والقيم والعقائد.،
_ فأيقن أن “القوة الناعمة” بكل روافدها من الفنون والآداب وكيانات المجتمع المدني وتجمعات “النُخَب” ومنافذ الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الحديثة.. هي صاحبة التأثير الأعظم والأكبر في تشكيل الوعي الجمعي للشعوب.. وتوجيه الرأي العام لحملهِ على التأييد أو الرفض.
_ أخضع مخططاته وأهدافه للبحث والدراسة على مدارِ سنوات داخل مراكز الأبحاث السياسية والإستراتيجية التابعة لأجهزة المخابرات الأمريكية والغربية إلى أن تبلورت وظهرت للعلن عندما خرج علينا رئيس مجلس المخابرات الأمريكية السابق ومساعد وزير الدفاع “چوزيف ناى” في مطلع تسعينيات القرن الماضي.. مسوقاً إلينا مصطلح “القوة الناعمة” وكان هذا تزامناً مع ظهور ما يعرف باسم “الجيل الرابع من الحروب” والتي تتخذ من القوة الناعمة سلاحاً لها.،
وهو ما يعنى ببساطة (القدرة على التأثير في سلوك الآخرين عن طريق الجذب.. لقيامهم بعملٍ ما.. يتفق مع ما نريده) بدلاً من الإرغام باستخدام القوة الصلبة “العسكرية والاقتصادية” واستعمالهما في التهديد بالعقوبات أو الاستمالة بالمساعدات.
_ باختصار.. فإن قدرة الدولة على امتلاك “قوة ناعمة” يعنى.. أن تجعل الآخرين يعجبون بها ويتطلعون إلى ما تقوم به بعين الانبهار.. ومن ثمَ يتخذون مواقفاً إيجابية من توجهاتها وقيمها وأفكارها السياسية والاجتماعية والعقائدية..إلخ،
وبالتالي تتفق رغباتهم وأفعالهم مع خُططها وأهدافها.
تفكير وتخطيط شيطاني.. وسوسة من نوعٍ آخر تعتمد على ترديد وتكرار الرسالة المطلوبة على المسامع والأبصار عبر كل وسيلة ممكنة للاتصال بالشعوب المستهدفة لتمرير “الفيروس” وزرعه وتثبيته في “العقل الجمعي” لها.. عن طريق الكلمة والتي قد تأتي في إطار خبر أو معلومة أو تحقيق صحفي.. إلخ، وعن طريق كافة الرموز والمنتجات البصرية من صور وفيديوهات وسينما ومسرح ومسلسلات.. إلخ.
ويصب ذلك كله في وسائل الإعلام والاتصال المختلفة والحديثة والقادرة على الوصول إلى كافة الشرائح ومختلف الأعمار بلا قيدٍ أو شرط.
إنها أدوات العرض والتمرير الأكثر تأثيراً والأكثر قدرة على زراعة الدوافع والمحركات النفسية في العقول والصدور، وترسيخ القناعات التي تُشكل في النهاية أيديولوجيات مشوشة أو مشوهة للتفاعل مع كل مجريات الأحداث الداخلية والخارجية على النحو الذى يرغبه الآخر.. ودون إدراك من الضحية أن الدمار والهلاك ينتظرا بشغفٍ في نهاية الطريق..
وهْماً وظناً.. أن ما يحدث هو عمل بطولي.. وأن القائم عليه بمثابة المُخَلِص لأرضهِ وشعبهِ من الاستبداد والبؤس والفساد.
يتبع..