fbpx
تقارير

حتى لا تصبح جاسوس دون أن تدري.. ماذا تعرف عن البرنامج الأمريكي “مكافآت من أجل العدالة”؟

إعداد: أحمد التلاوي

بين حين وآخر، نقرأ أو نسمع في بعض وسائل الإعلام عن”برنامج المكافآت من أجل العدالة” أو (Rewards for Justice) الأمريكي المعروف اختصارًا بـ(RFJ)، والذي يرتبط بالكثير من الأمور السياسية والأمنية للعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وفي القلب منها مصر.

وكانت الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي توسَّعت في الآونة الأخيرة لتشمل لبنان، مسارًا لفتح مجال الحديث واسعًا عن هذا البرنامج المرتبط بالكثير من الأمور التي تمت في الأشهر الأخيرة، أبرزها سلسلة عمليات الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل، وطالت عددًا كبيرًا من القيادات السياسية والعسكرية لـ”حزب الله” اللبناني وحركة “حماس” الفلسطينية.

فما هو هذا البرنامج، وما هو تأثيراته على المشهد الأمني والسياسي في منطقتنا؟

ولماذا يصفه بالبعض بأنه أحد أكثر برامج التجسس غرابةً بسبب طابعه العلني؟

برنامج “مكافآت من أجل العدالة”، هو أحد البرامج التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، بدأ في العام 1984م، بموجب القانون العام “98-رقم 533” لمكافحة الإرهاب الدولي.

يتبع البرنامج إدارة مكتب الأمن الدبلوماسي بوزارة الخارجية الأمريكية، وتتلخص مهمة البرنامج في “عرض مكافآت مقابل الإدلاء بمعلومات” “تحمي أرواح الأمريكيين والمصالح الأمريكية، وتُعَزِّز الأمن القومي للولايات المتحدة”.

ولقد وسَّع الكونجرس الأمريكي السلطات القانونية للبرنامج، بحيث بات يشمل أربع فئات، وهي الإرهاب، والتدخل الأجنبي في الانتخابات الأمريكية، وبخاصة الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونجرس بمجلسَيْه، والنشاط السيبراني المشبوه، بالإضافة إلى كوريا الشمالية والأنشطة الي تدعم النظام الحاكم فيها.

وبالرغم من أن البنود الثلاثة الأولى منها ترتبط بأنشطة تتصل بالشرق الأوسط، بما في ذلك المحاولات المنسوبة لروسيا وإيران – أو بالتعاون التقني بينهما في حالة الأنشطة الإيرانية – للتأثير على التصويت في الانتخابات الأمريكية، واختراق شبكات المعلومات في بعض المصالح الأمريكية الحيوية، إلا أن أكثر ما يرتبط بمنطقتنا، وبمصالح أمن قومي عدة تتصل حتى بمصر بشكل مباشر، هي قضية الإرهاب.

وقبل الاستطراد في عرض بعض تفاصيل البرنامج، فإنه من المهم الإشارة هنا إلى أن عبارة “عرض مكافآت مقابل الإدلاء بمعلومات” المُستخدَمة في النصوص الرسمية الخاصة بالبرنامج، والمنشورة على الموقع العربي الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، تمثل أساس عمل أجهزة الاستخبارات في كل دول العالم؛ حيث يقدم جهاز الاستخبارات المَعْني مكافآت، مادية أو عينية، للعنصر، سواء أكان محليًّا أو أجنبيًّا، نظير جمع معلومات وتسليمها إلى هذا الجهاز.

وسائل التواصل الاجتماعي وتبادل المعلومات “السرية”!

بالرغم من أنها ليست أدوات موثوقة أو آمنة، حتى بالنسبة لمبتكريها، كوسيلة تبادل معلومات سرية، أو حتى أخبار ذات طابع علني، مثل أخبار السياسة والاقتصاد والفن والمجتمع المعتادة، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي أو الـ”سوشيال ميديا” (Social Media)، تمثل جزءًا مهمًّا من أدوات البرنامج الأمريكي.

فبحسب برتوكول البرنامج المنشور على المنصات الرسمية المعتمدة للخارجية الأمريكية والسفارات التابعة لها في أنحاء العالم؛ فإنه بعد موافقة وزير الخارجية الأمريكي على عَرْض المكافأة، يُعلِن عنها “برنامج المكافآت من أجل العدالة” باستخدام مجموعة متنوعة من الأدوات، والتي تشمل وسائل التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الدردشة الاجتماعية مثل الـ”واتساب”، بالإضافة إلى وسائل الإعلام التقليدية.

تُوجِّه إعلانات “برنامج المكافآت من أجل العدالة” الجمهور الذي يطلع عليها، إرسال ما لديهم من معلومات، في شكل رسائل نصية إلى ما تصفه وزارة الخارجية الأمريكية بـ”خطوط المعلومات السرية” عبر العديد من تطبيقات المراسلة، مثل “سيجنال” و”تيليجرام” و”واتساب”، وحتى حسابات وسائل التواصل الاجتماعي العادية، والبريد الإلكتروني.

بطبيعة الحال، فإن هذا الحديث له دلالات كبيرة فيما يتعلق بالكثير من الأمور التي ارتبطت بالفوضى التي ضربت العالم العربي في السنوات الماضية قيما عُرِف بأحداث “الربيع العربي” و”ثوراته”، جرى توجيهها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

كما أنه يثبت الكثير من الاتهامات التي كان أصحاب الشأن فيها ينفونها عن أن أنشطة استخبارية هدَّامة عديدة تتم من خلال هذه الوسائط، سواء منصات التواصل الاجتماعي أو تطبيقات التراسل المذكورة، بما في ذلك الشائعات السوداء والتحريض، وغير ذلك.

البرنامج الأمريكي وقضايا الإرهاب في الشرق الأوسط

المهم، نعود إلى السياق الأساسي للموضوع الذي نحن بصدده، ففيما يتعلق ببند الإرهاب فإنه من المفترض أنْ يعمل البرنامج من أجل تحقيق الأهداف التالية، والتي سوف نلاحظ أنه ليس من بينها صراحة النَّصُّ على تنفيذ عمليات اغتيال، وهي:

– اعتقال أو إدانة أي شخص يخطط لارتكاب أعمال إرهابية دولية ضد أشخاص أمريكيين أو ممتلكات أمريكية أو يرتكبها أو يساعد في ارتكابها أو يحاول ارتكابها داخل الولايات المتحدة أو خارجها.

– منع حدوث مثل هذه الأعمال.

– تحديد هوية أو موقع أي زعيم إرهابي بارز.

– تعطل الآليات المالية لمنظمات إرهابية أجنبية، ويشمل ذلك تعطيل شبكات الاختطاف وحوادث الخطف التي تدعم هذه المنظمات ماليًّا.

في كل ما سبق، لا يوجد أي ذِكر مباشر لعبارة “اغتيال”، إلا أنه تم بموجب هذا البرنامج، تلقَّت وزارة الخارجية الأمريكية معلومات نقلتها إلى أجهزة الاستخبارات القومية الأمريكية، بموجب بروتوكول عمل البرنامج، نُفِّذَت بموجبها عمليات اغتيال، سواء بواسطة الأجهزة الأمريكية بشكل مباشر، أو بواسطة دول أخرى تبادلت معها الولايات المتحدة هذه المعلومات.

ويشير بروتوكول العمل الخاص بالبرنامج الذي تعلنه وزارة الخارجية الأمريكي إلى أن الوزارة ترسل المعلومات التي “المعلومات السرية الملائمة” التي تحصل عليها من خلال البرنامج إلى “وكالات الحكومة الأمريكية الأخرى”.

ونشير هنا إلى حالتَيْن مرتبطَيْن بهذا البرنامج، الحالة الأولى، فؤاد شكر، القائد العسكري في “حزب الله” اللبناني، والذي كان يُصَنَّف على أنه الرجل الثاني في الحزب، الذي اغتالته إسرائيل بعملية قصف مباشرة نفذتها طائرات سلاح الجو الإسرائيلي على العمارة السكنية التي كانت تضم بيته ومكتبه الذي يعمل منه، في الضاحية الجنوبية لبيروت في الثلاثين من يوليو الماضي.

الحالة الثانية، حالة أنور العولقي، الذي يوصف بأنه الأب الروحي لـ”تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب”، أو “تنظيم القاعدة في اليمن”، الذي قُتِلَ بغارة لطائرة أمريكية مُسَيَّرةٍ بقرار من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في الثلاثين من سبتمبر من العام 2011م، في محافظة الجوف شمالي شرق العاصمة اليمنية صنعاء؛ ليكون بذلك أول مواطن أمريكي – حيث كان خاصلاً على الجنسية الأمريكية – يتم اغتياله بهذه الصورة.

الأول، فؤاد شكر، كان على قائمة العقوبات والملاحقة الأمريكية، لمدة أربعة عقود، لتورطه في تفجير “المارينز” الشهير في لبنان، في الثالث والعشرين من أكتوبر من العام 1983م، وعمليات أخرى استهدفت مصالح أمريكية أخرى، ومنها التخطيط لعملية اختطاف طائرة الرحلة رَقْم (847) التابعة لشركة (TWA) الأمريكية في الرابع عشر من يونيو من العام 1985م.

أمَّا الثاني، العولقي، فقد أشارت تقارير إلى أنه تمت تصفيته بعد الحصول على معلومات من داخل التنظيم نفسه، وكانت الولايات المتحدة تلاحقه لتورطه في عمليات عديدة استهدفت مصالح أمريكية، ومنها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م الشهيرة.

يُشار أيضًا هنا إلى أن سعد بن عاطف العولقي الذي يمُتُّ بصلة قُربى لأنور العولقي، وخَلَف خالد باطرفي زعيم “تنظيم القاعدة في اليمن” السابق الذي نَعَتْه وكالة “ملاحم”، الذراع الإعلامية للتنظيم، في العاشر من مارس الماضي من دون ذكر سبب وفاته، على قائمة  رصد برنامج مكافآت من أجل العدالة التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، منذ نوفمبر 2019م، ووضعت للإرشاد عنه مكافأة قيمتها ستة ملايين دولار.

أيضًا ذي صِلَةٍ بذلك، عندما أعلن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى ما وصفته بـ”تعطيل الآليات المالية لحركة حماس”، بحسب تقرير لقناة “القاهرة الإخبارية في حينه” .

وتسعى الخارجية الأمريكية عبر عرضها هذا إلى الحصول على معلومات عمَّن وصفتهم بـ”الوسطاء الماليين” لحركة “حماس”، وتضمَّن الإعلان الأمريكي الصادر في الخامس من يناير الماضي، خمسة أسماء، وهم: عبد الباسط حمزة الحسن خير، وعامر كمال شريف الشوَّا، وأحمد سدو جهلب، ووليد محمد مصطفى جاد الله، ومحمد أحمد عبد الدايم نصر الله.

وأدرجت وزارة الخزانة الأمريكية هؤلاء الخمسة على قوائمها للإرهاب العالمي، في الثامن عشر من أكتوبر 2023م، أي بعد أقل من أسبوعَيْن من عملية “طوفان الأقصى”، بموجب ان حركة “حماس” مُصنَّفة كمنظمة إرهابية على القوائم الأمريكية منذ أكتوبر من العام 1997، وكيانًا للإرهابيين العالميين، في أكتوبر من العام 2001م.

والحقيقة أن تقاطعات عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل في العام المُنقضي منذ عملية “حماس” في السابع من أكتوبر من العام 2023م، مع القوائم التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية عن الأشخاص المُصَنَّفين كإرهابيين، سواء صَدَر في حقهم إعلانات عن مكافآت ضمن هذا البرنامج، كثيرة.

إلا أن هذا الأمر ليس بالمُستغرَب، ولا يتعلق بأية أمور من الأمور السياسية المخفية، أو ما يُسمَّى في إعلام العوام بسياسة “تحت الترابيزة”؛ حيث إن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية إستراتيجية لكلا البلدَيْن، وأن التنسيق الأمريكي الإسرائيلي مؤطَّر باتفاقيات رسمية، منها ما يتعلق بالتعاون الاستخباري، مع اتفاق المصالح الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط.

سياسة مصرية فاعلة

ولا يتبقى بعد ذلك، سوى التأكيد على ضرورة وجود سياسة أكثر فاعلية من الدولة في مصر، بأجهزتها الأمنية والإعلامية، يندمج فيها القطاع الأهلي الوطني، ولاسيما وسائل الإعلام الخاصة، للتأكيد على أن التعاون مع مثل هذه النوعية من البرامج، إنما هي في النهاية، بمثابة أنشطة تجسس لصالح دولة أجنبية، أيًّا كانت نوعية المعلومات التي يتم نقلها، وهل تتعلق بأمور تخص مصر أم لا.

ويتضمن ذلك حملة توعية واسعة ببعض القواعد الأساسية التي تحكم ذلك العالم الغامض، الاستخبارات، والتجسس جزء مهم منه، ومنها أن أجهزة الاستخبارات القومية في بلادنا، قد تكون تقوم في وقت من الأوقات بعمليات مهمة تحقق مصالح مهمة للأمن القومي المصري، مرتبطة بوجود ونشاط مثل هذه النوعية من الشخصيات، وحتى ولو كانت مرتبطة بأنشطة إرهابية بالفعل.
وبالتالي، يؤدي تسليمها إلى دولة أخرى، باعتقالها أو القضاء عليها، إلى إفساد خطط معقدة شديدة الأهمية لمنظومة الاستخبارات القومية في مصر.
كما لابد من حملة تنوير بنشر مخاطر الاستجابة لأية حملات غامضة أو حتى رسمية على منصات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات المراسلة، بحيث لا يتحول المرء إلى جاسوس على بلاده، من دون أنْ يدري!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى