تاريخ الحروب سيكتب فصلا جديدا بعد تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي (البيجر) لأعضاء “حزب الله” اللبناني.
ماحدث نقلة نوعية في فكر الحرب، الحروب قديما كانت بالأسلحة ثم تطورت للحرب بالوكالة حتى وصلنا للتفجير بلا اسلحة وعن بعد.
الحروب الجديدة
الواقع الجديد هو انتهاج حروب مماثلة تعتمد على الحرب البعيدة والضرب الخاطف الموجع قليل التكلفة، للحد من العنتريات الإيرانية المستندة إلى قاعدة القوة.
العملية الإسرائيلية التي وقعت في لبنان منذ عدة أيام، تميط اللثام عن تطور جديد في حروب العصر الرقمي، يخلط الأوراق ويفرض على صناع القرار في الدوائر الأمنية والعسكرية إعادة التفكير في المسلمات السابقة المتعلقة بالحروب الحديثة.
وأهمية هذه العملية لا تأتي من مجرد تعقيدات المشهد الإقليمي بين إسرائيل وخصومها أو من عدد الضحايا الذين سقطوا جراء عملية التفجير المتزامنة، وإنما من طبيعة العملية بحد ذاتها، وتجاوزها الخطوط الحمراء المرسومة ضمنا بين الدول طيلة سنوات، وانعكاسها لاحقا على تعريفنا للامن القومي التي يفترض على الدول أو الجهات الفاعلة تأمينه ضد أي تخريب أو استهداف.
توصيف العملية بين اختراق سيبراني وآخر أمني
فالعملية التي وقعت ليست مجرد اختراق سيبراني بحت، ولا هي اختراق أمني وحسب، بل هي على الأغلب خليط من الأمرين، ولذلك فهي تندرج ضمن العمليات الهجينة التي تطمس الحدود بين المادي والسيبراني بجمعها بعضا من خصائص الهجمات السيبرانية، والاختراقات الأمنية المادية في الوقت نفسه.
وقد كان الاختراق المادي معقدا ودقيقا جدا بنفس الوقت، إذ اشتمل على مستويين اثنين: أحدهما لوجستي يتعلق بعمليات التصنيع والتوريد والزراعة (أي زراعة المواد المتفجرة).
والآخر معرفي يتعلق باكتساب فهم عميق لأنظمة البيجر وكيفية عملها وكيفية تزودها بالطاقة، والثغرات التي يمكن استغلالها. وتعد هذه المعرفة الشاملة في غاية الأهمية، وذلك لحاجة الطرف المهاجم إلى ضمان بقاء التلاعب بالأجهزة غير مكشوف لحين لحظة التفجير.
هنا يأتي الشق الثاني من العملية الذي يتطلب تدخلا سيبرانيا. فإذا كان التفجير قد تم تفعيله عن بعد (وهذا الراجح)، فإنه يتطلب إرسال إشارة محددة إلى الأجهزة المستهدفة لتفعيل المتفجرات.
هنا يمكن أن يكون المهاجم قد استغل بروتوكولات الاتصال العادية للبيجر، ولكن ليس لغرض إجراء اتصال عادي، بل لتحويل الأجهزة إلى قنابل مميتة.
ولا يعد هذا الاختراق تقليديا أيضا من ناحية تعطيل الشبكة الرقمية أو سرقة البيانات أو التنصت، بل بهدف إحداث عملية تفجير حقيقية ذات نتائج مادية.
وتدل على نوع جديد من الحروب التي تجمع بين الحرب الكلاسيكية والحرب غير المتناظرة والحرب الإلكترونية، وتشهد على أهمية التقنيات الحديثة والطائرات المسيّرة والصواريخ وكذلك الذكاء الاصطناعي.
وتبدو الفجوة كبيرة بين إسرائيل وخصومها من إيران إلى حماس وحزب الله.
هناك إذًا فجوة تكنولوجية بين إيران من ناحية، وإسرائيل (المدعومة أمريكياً وغربياً بشكل عام) من ناحية أخرى. ومن الواضح أن هذه الفجوة التكنولوجية تترجم إلى فجوة عميقة بنفس القدر في ميزان القوى بين المعسكرين.
إنه درس تاريخي، حيث كان للتقنية دوماً الدور الحاسم في الحروب وتفوق إمبراطوريات ودول على أخرى.
نتذكر تفوق العثمانيين من خلال اختراع مدافع عملاقة مكّنتهم من دك حصون منيعة مثل القسطنطينية.
وبعد ذلك، نعلم دور السفن الحربية والسلاح النووي في حسم حروب القرن العشرين.
يتضح بجلاء أن الانتصارات في المواجهات لا تعتمد على تطور آلات الحروب فحسب، بل أيضاً على الإعداد والتخطيط والتفوق العلمي.
ويبقى نمط الحروب ذاته يعتمد على عنصر المباغتة أو البحث عن وسائل مبتكرة للقتل والتدمير.
لكن تفجير أجهزة الاتصال التي تُستخدم بشكل مزدوج مدنياً وعسكرياً، يطرح تحديات توجب التفكير بمخاطر تسخير التفوق التكنولوجي في حرب بلا رحمة ودون تفكير بالتداعيات على المدنيين أو على صناعة أجهزة الاتصال وإمكانية تأثرها.
يمكن للثورة الرقمية أن تسجل انحرافات، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يزيد من التدمير وأن يسهل المهام القتالية.
ويشير كل ذلك إلى أهمية وضع مدونات سلوك ضمن الاتفاقيات الدولية حول الحروب، حتى لا تسقط كل الضوابط ويدفع الثمن الضعفاء الذين يوصفون بحطام الحروب.ما حدث يومي الثلاثاء و الاربعاء الداميين في لبنان جعل باقي الأذرع الإيرانية تتحسس آذانها خشية نفس المصير الذي يكشف عن تغيرات في معادلات المواجهات ونتائج الصراع الذي تشهده المنطقة على نحو غير مسبوق.
أذرع إيران في المنطقة والحرب الجديدة
ولعل أبرز الاذرع الإيرانية الأكثر جلبة في الرسم البياني للأحداث “جماعة الحوثي”، على رغم أثره الذي يقتصر على المشاغبات التي تسجل حضوراً بلا أثراً.
والجماعة التي لا يمكن أن تتحرك من دون تقنيات “حزب الله” وخبرائه، تعرف مدى الخطر الذي يحوم حولها، وتنتظر وقوعه عندما تحاول الاقتراب فعلياً من المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، خصوصاً مع انشغال الحزب اللبناني بنفسه جراء الاختراق الكبير الذي ضرب الحزب في عمقه وكلفه كثيراً، على مستوى القادة و العناصر وعلى مدى المصداقية والشكوك والتخوين بين عناصر الحزب والمتعاملين معه.
من وصل لقادة حزب الله يصل للحوثي بسهولة
من يقف خلف تفجير أكثر من 5 آلاف جهاز اتصال لاسلكي (البيجر) استوردتها جماعة “حزب الله” اللبنانية قبل أشهر، من السهولة أن يصل إلى رؤوس الحوثي وقادته في حال ما أراد ذلك.
“حزب الله‘ صاحب الخبرة الواسعة في المواجهات مع إسرائيل التي تمتلئ بالاختراقات، كشفت الأحداث أنه صيد سهل المنال لأية معدة تسعى إلى ضربه في عمقه وبدقة عالية جداً.
اذا السؤال هنا.. كيف هو حال الحوثي الذي لا يملك من أمره شيئاً ويعمل بالأوامر الموجهة بلا معرفة ولا خبرة، و في حال انشغال حزب الله وإيران وأذرعها بنفسها سينكشف الحوثي لكل من يريد ضربه.
حزب الله والعودة خطوة للوراء
ما جرى من تفجيرات يدعو حزب الله في لبنان إلى خطوة للخلف، والاعتراف بان حروب التكنولوجيا لا مفر منها.