fbpx
مقابلات

د. علاء جراد يكتب: نحو نظام تعليمي مبني على القيم

بداية أود أن أشكر جميع القراء الذين تفاعلوا مع مقال الأسبوع الماضي، ويبدو أن البعض اهتم بالعنوان أكثر من محتوى المقال، لذلك أدعو الجميع لقراءة المقال للنهاية.

واستكمالاً للحديث، أود أن أشير هنا الى أن التربية الأخلاقية وبناء الشخصية ليست مجرد مادة تدرس في المناهج، ولكن الموضوع أكبر من ذلك.

وحتى يتسنى فهم طبيعة بناء الشخصية لابد أن نفهم أن الشخصية هي مجموعة من السمات أو الاستعدادات التي تولد مشاعر معينة، وتوجه الدوافع وترشد السلوك. ويتضمن بناء الشخصية جميع الأنشطة التعليمية الصريحة والضمنية التي تساعد النشء على تطوير سمات شخصية إيجابية تُسمى الفضائل. ويجب أن يحتل بناء الشخصية مكانة في ثقافة وأدوار الأسر، والفصول الدراسية، المدارس والمؤسسات الأخرى، فبناء الشخصية يدور حول مساعدة النشء على فهم ما هو مهم أخلاقياً في المواقف وكيفية التصرف الصحيح، ويساهم في مساعدتهم في اتخاذ قرارات حكيمة حول نوع الشخص الذي يرغبون في أن يصبحونه، والهدف النهائي من بناء الشخصية هو تطوير حسن الفهم أو الحكمة العملية، والقدرة على الاختيار بذكاء بين البدائل.

إذن ما هي الفضائل التي تشكل الشخصية الجيدة؟

إنها تلك السمات الشخصية التي تمكن النشء من الاستجابة بشكل مناسب للمواقف في أي مجال من مجالات الحياة العملية.

حيث تمكنهم من العيش، والتعاون، والتعلم من ومع الآخرين، وبجانب دور الأهل فالمدارس لديها مسؤولية كبرى في تعزيز تلك الفضائل، وتحديد أياً منها يجب أن يحظى بالأولوية ومن ثم دمجها في التعليم، وخاصة في حال افتقاد بعض الأهالي لتلك الفضائل. وقد تم الاتفاق في معظم أطر التربية الأخلاقية على ثمانية فضائل كما يلي:
الشجاعة: التصرف بتماسك في المواقف التي يسود فيها الخوف.

– العدالة: التصرف بإنصاف تجاه الآخرين من خلال احترام الحقوق والمسؤوليات.

– الصدق: أن تكون صادقًا ومخلصًا فيما تقوله أو تقوم به.

– الرحمة: إظهار الرعاية والاهتمام بالآخرين.

– الامتنان: الشعور والتعبير عن الشكر على النعم وشكر الآخرين على ما يقدمونه.

– التواضع: تقدير النفس ضمن حدود معقولة، وعدم التكبر أو الغرور.

  – النزاهة: التمتع بمبادئ أخلاقية قوية وثابتة.

– الاحترام: إبداء الاحترام لمشاعر وحقوق الآخرين.

نعم قد تتضمن مادة التربية الدينية في مدارسنا دروس تشير لتلك الفضائل ولكن يتم اختزال ذلك في الدرجات والامتحان ولا تتحول الى دروس وأنشطة عملية، والطريقة العملية أن تكون هناك حزمة من الأنشطة الصفية واللاصفية والحالات العملية ولعب الأدوار والمواقف الحياتية حتى نضمن غرس وتجذير تلك الفضائل، ويمكن إضافة المزيد وفقاً للمعطيات الوطنية، كأن يضاف اليها الاعتزاز بتاريخنا وارثتنا الحضاري، واحترام الدولة والحرص على سمعتها، أو التركيز على أهمية التعلم مدى الحياة.

ولابد من تضافر جهود كافة المعنيين من أجل الاتفاق على منظومة الفضائل والسمات الشخصية للأجيال القادمة، ثم يلي ذلك التأكد من فهم المعلمين ومدراء المدارس لهذه المنظومة وكيفية تطبيقها من خلال برامج تدريبية فعالة يتم قياس أثرها قبل أن يتم تكليف هؤلاء المعلمين بتنشئة الجيل، ففاقد الشيء لا يعطيه، وأعلم ان البعض سيسرد هنا المعوقات وضعف رواتب المعلمين والكثافة الصفية وكل هذه التحديات، ولكن ما يستعرضه المقال هو كيفية الخروج من الأزمة والبدء بداية صحيحة نحو بناء نظام تعليمي مبني على القيم والفضائل وليس على الدرجات والتحصيل فقط، وببساطة فالمقال هو بمثابة نداء للعمل نحو عودة التربية الى المدارس، وعودة التربية قبل التعليم، وقبل ذلك عودة المدارس أصلاً، ففي محافظات الأقاليم أصبحت المدارس خاوية على عروشها لا يرتادها الطلاب ولا المعلمين، حيث اكتفى الجميع بالدروس الخصوصية.

ولكن دائماً هناك أمل، ولعل التغييرات الأخيرة التي أعلنها وزير التربية والتعليم تؤتي ثمارها ونرى شمس المدارس مشرقة مرة أخرى، ونرى طابور الصباح والإذاعة المدرسية والأنشطة والموسيقى والتربية الدينية والتربية الأخلاقية والروحانية جنباً الى جانب مع باقي الأنشطة التعليمية. وأتمنى أن تكون نقطة البداية في إجراء أي إصلاح تعليمي هي الطلبة وأولياء أمورهم، فهؤلاء هم المستفيد الأول والذي يجب الاستماع اليه.

ذات مرة سألوا وزيرة التعليم في فنلندا – وهي من أفضل دول العالم في النظام التعليمي – عن سر نجاح النظام التعليمي، قالت لهم اسألوا أي تلميذ في المرحلة الابتدائية. وللحديث بقية بمشيئة الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى