fbpx
مقالات

المفكر الراحل عبد الله كمال كتب: الموت قبل الخمسين.. اللهم أحسن خاتمتنا

أما وقد أتممتُ عامي الرابع والأربعين، فإنني أتعهد أمام نفسى بأنني إذا وجدت وقتًا سوف أؤلف، على الطريقة الأمريكية، كتابًا عن الرجل الأربعينى..

وأعتقد أن خبرة أربع سنوات في هذه المرحلة العمرية تعطيني التأهيل الكافي لإتمام تلك العملية.

كل يوم تلاحقك النصائح.. لا بُدَّ أن تنتبه.. أنت الآن فوق الأربعين.. خد بالك.. أو ديره إذا كنت تنطق الكلمة بالطريقة الخليجيّة.. لا تُدخِّن.. خفِّف الأطعمة.. مارس الرياضة.. قلل ساعات العمل..

الجميع ينبهك إلى مجموعة هائلة من الملاحظات.. تقريبًا لا أنفذ منها شيئًا.. فأنا أدخن كثيرًا.. وأعمل كثيرًا.. ولا أجد وقتًا للرياضة.. وأتعامل مع الأكل باستمتاع يجعلني لا أقاومه..

ومن ثم فقد اقتربت النهاية وفقًا لمدونة النصائح.. فاللهم أحسن خاتمتنا.

هذا يقول لك، تناول أقراص فيتامينات كي تعوضك، فالرجل فوق الأربعين يحتاج إلى مثل هذه الحبوب في ظل نظامنا الغذائي المرتبك.

وآخر يقول إن عليك أن تتناول حبوبًا لتنشيط الذهن.. كل من تخطى الأربعين يفعل هذا..

وثالث يؤكد عليك بالتحليل الدوري لمعدلات الكوليسترول.. فتترحم على أيام قريبة كان الناس فيها يفخرون بأنهم تربوا على السمن البلدي.. ودهن العتاقي.. ومؤخرات الخرفان..

ولهذا فإن بنيتهم قوية.. ونحن لا نتمتع بذلك.. أين هؤلاء من ملاحقات أطباء التحذير من الكوليسترول!

وفى كل يوم أنبه نفسى إلى أن علىَّ أن أنصاع.. وأن أحافظ على صحتي.. وأرتب شئونها.. بدلًا من أن تفاجئك ذبحة أو جلطة..

وأقول إنني من الغد سوف ألف (تراك النادي الأهلي).. ويأتي الغد فأجدنى داخل السيارة أنهى عشرين مكالمة قبل التاسعة صباحًا.. وأدلف إلى دوامة الحياة.. مؤجلا عملية المشي إلى الأسبوع المقبل..

وفى كل يوم أقول إنني سوف أتوقف عن تناول الخبز.. حتى أذهب إلى طبيب الريجيم.. وقد يكون هذا مفيدًا للموازنة العامة لأنني سأوفر قدرًا من دعم الخبز.. ثم تحين ساعة الغداء.. فأؤجل تعهدي للموازنة العامة إلى أسبوع جديد..

ولا أعتقد أن وزير المالية سوف يلقى لي بالًا أنا بالتحديد.

أستطيع أن أفاجئك بأنني قد دونت رقم طبيب الريجيم على موبايلي وعلى قصاصات ورق صغيرة بضع عشرات من المرات..

وإنني قد هاتفته ثلاث مرات على الأقل وأخذت منه موعدًا كي أذهب إليه.. ولم أفعل..

وفيما يبدو فإنّ زوجتي سعيدة بهذه الحالة.. وتضفى مزيدًا من المشهيات على الوجبات، لأن زيادة الوزن تؤدى إلى نفور المعجبات.. ولا أقول فقط ابتعادهن.

كنت فيما مضى، وأنا فتى يافع في مقتبل العمر أتضايق جدًا لأن معصمي رفيع.. وأقف أمام المرآة.. وأستعير (مازوره) كي أقيس محيط الصدر..

وأتساءل: هل سأكون لائقًا إذا ما تقدمت لامتحان القبول في كلية عسكرية؟ فأنزعج لأنني أحتاج إلى 3 سم إضافية..

وهانذا أحلم بتلك الأيام التي لا يمر فيها موسم دون أن أغير مقاسات القميص.. وأتحسر على مجموعة من البدل.. وذات مرة ذهبت إلى طبيب وعدني بأنني سوف أتخلص من كل دولاب ملابسي.. لأن وزنى سوف ينقص.. فتراجعت عن فكرة الريجيم برمتها، لأن مجموعة ملابسي وقتها كانت تعجبني ولا أُريد أن أفرط فيها!

المشكلة هى أننى أركز على تنمية سرعتى فى كتابة الكلمات على الكمبيوتر أكثر من أن أحصى عدد خطواتى اليومية..

وإنني أجالد نفسى ذهنيّا.. فأنصاع لكتاب.. وأحاصر نفسى أمام عملية بحث على شبكة المعلومات.. أكثر من محاولة دفع نفسى إلى تمشية صباحية ولو في الطريق إلى المكتب من ميدان التحرير..

وحين أجلس إلى أي من مصادر معلوماتي أصادف عشرات من النصائح التي تخص من تخطى الأربعين.. لاسيما أولئك الذين لم يروك منذ فترة.. ويهمون بأن يعبروا عن دهشتهم لأن وزنك قد زاد.. وعليك أن تنتبه.. ويدقون في أذنك أجراس الخطر.

وأما أهم ما يضايقني في هذه العملية الفاشلة التي أحاولها كل أسبوع دون جدوى.. فهي أن موجهي النصائح هم غالبًا من أولئك المتعايقين الذين تخطوا الخمسين..

ويعتقدون أنهم قد مروا من مأزق العقد الرابع.. وعليهم أن يوجهوا النصائح لمهمل مثلي.. يضيع عمره وصحته في الأكل والتدخين.. وزيادة التوتر الناتج عن ظروف مهنة سخيفة..

نعشقها وتدمرنا ، حتى إنني تمنيت أن أصل إلى العقد الخامس لكى أتحول إلى ناصح لهؤلاء الذين بلغوا الأربعين بعدى.

سوف أضع هذا المقال على موقعي على الإنترنت.. وسوف يعلق متساخف: أنت تعانى من زيادة الوزن في بلد لا يجد فيه الفقراء ما يأكلون..

ووقتها سوف يزيد توتري.. فأهدئ نفسى بمزيد من التدخين.

“نشر هذا المقال لأول مرة بجريدة روز اليوسف 30 نوفمبر 2009”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى