شحاتة زكريا يكتب: مراجعة صندوق النقد الدولي الرابعة.. آفاق جديدة وتحديات قائمة للاقتصاد المصري
تأتي المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري المدعوم من صندوق النقد الدولي في توقيت حرج حيث يواجه الاقتصاد المصري تحديات ضخمة على المستوى المحلي والدولي .
هذه المراجعة ليست مجرد إجراء دوري أو خطوة ضمن برنامج تعاون مالي بل هي محطة رئيسية تكتسب أهمية خاصة في إطار السياسات الاقتصادية التي تنتهجها مصر لتحفيز النمو وتعزيز الاستقرار المالي والاجتماعي.
فالسؤال هنا هو: ماذا بعد هذه المراجعة؟ وكيف ستؤثر نتائجها على الواقع الاقتصادي للمصريين؟
من المتوقع أن تسفر هذه المراجعة عن الإفراج عن الشريحة الرابعة من القرض ما سيعزز الاحتياطيات الأجنبية ويدعم استقرار العملة المحلية ، ويخفف الضغوط المالية على الاقتصاد المصري في ظل تقلبات أسعار الصرف وارتفاع تكاليف الواردات.
هذا الدعم المالي سيمنح الحكومة المصرية مساحة للتنفس وقدرة أكبر على مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تستهدف تحقيق توازن بين الاستقرار المالي والنمو الشامل.
الجانب الإيجابي المتوقع من هذه المراجعة يتمثل في زيادة الثقة لدى المستثمرين الدوليين حيث يرى العديد من المحللين أن التزام مصر ببرنامج صندوق النقد يعكس جدية الحكومة في إدارة الاقتصاد وتحقيق الإصلاحات المطلوبة. هذه الثقة تعني تدفقات جديدة من الاستثمارات الأجنبية التي تفتح المجال لخلق فرص عمل جديدة ، وتساهم في تنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة.
كذلك من المتوقع أن تعزز هذه الإصلاحات من تصنيف مصر الائتماني ، ما يتيح فرصا أفضل في أسواق الدين الدولية ويقلل من تكلفة الاقتراض.
لكن الإصلاحات الاقتصادية تحمل في طياتها تأثيرات مباشرة على الحياة اليومية للمواطنين ، خاصة فيما يتعلق بتكلفة المعيشة والقوة الشرائية.
فالتعديلات التي قد تشمل تخفيض الدعم الحكومي وتوسيع قاعدة الضرائب ستزيد من العبء المالي على الأسر متوسطة ومحدودة الدخل ، ما قد يتطلب جهودا إضافية من الحكومة لتوسيع شبكات الأمان الاجتماعي ودعم الفئات الأكثر تضررا من هذه السياسات.
هنا تبرز أهمية تحقيق التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية وبين الحماية الاجتماعية بحيث لا يتحمل المواطن البسيط وحده تكلفة هذه السياسات.
ومن الجدير بالذكر أن هذه المراجعة تأتي في سياق تحديات عالمية تشمل تقلب أسعار الطاقة وتأثير الأزمات الدولية على تدفقات الاستثمار الأجنبي.
فالتغيرات في أسعار النفط تؤثر بشكل مباشر على تكاليف الإنتاج والنقل ، ما ينعكس على أسعار السلع والخدمات محليا.
كما أن مصر كمستورد كبير للنفط والغاز تواجه ضغوطا إضافية نتيجة هذه التقلبات ما يجعلها بحاجة إلى سياسات مالية مرنة تستطيع التكيف مع المستجدات العالمية.
وبالنظر إلى أهداف الإصلاح على المدى الطويل، فإن الحكومة تسعى إلى تحقيق الاستدامة المالية من خلال إصلاحات هيكلية واسعة تهدف إلى رفع كفاءة الاقتصاد وزيادة تنافسيته.
ويشمل ذلك دعم الصناعات المحلية وتطوير البنية التحتية، وتحسين بيئة الأعمال، وتوسيع دور القطاع الخاص، مع التركيز على تحفيز الابتكار وريادة الأعمال.
هذه الأهداف تتطلب تنسيقا فعالا بين مختلف القطاعات الحكومية، وتعزيز دور القطاع الخاص، بما يسهم في تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الواردات.
من جهة أخرى تختلف آراء الخبراء الاقتصاديين حول مدى قدرة مصر على تحقيق نمو قوي ومستدام بعد هذه المراجعة.
بينما يرى البعض أن هذه الإصلاحات ستدفع إلى تحقيق نمو ملحوظ على المدى القريب ، يرى آخرون أن النمو قد يكون تدريجيا بسبب الحاجة إلى معالجة التحديات البنيوية التي لا تزال تواجه الاقتصاد مثل تضخم الدين العام والبطالة.
ومن المتوقع أيضا أن تلعب السياسة النقدية دورا حاسما في تحقيق التوازن الاقتصادي ، سواء عبر رفع أسعار الفائدة أو تخفيضها ، وفقا للظروف المحلية والدولية.
وفي الختام فإن المراجعة الرابعة مع صندوق النقد الدولي تمثل فرصة هامة لمصر لتحقيق تقدم ملموس في مسار الإصلاح الاقتصادي ولكنها أيضا تتطلب الكثير من الحذر والاستعداد لمواجهة التحديات التي قد تظهر مع الوقت.
فتطوير الاقتصاد وتحقيق الاستقرار الاجتماعي في آن واحد يستلزم من الحكومة اتخاذ قرارات مدروسة توازن بين متطلبات الإصلاح وأهداف حماية المواطن البسيط ، للحفاظ على ثقة المصريين في هذا المسار وتحقيق التنمية المستدامة المنشودة.