fbpx
مقالات

د. علاء جراد يكتب: الشخصيات السامة والبيئات السامة

الحياة ليست دائمًا سهلة، وهناك شخصيات وأماكن تجعلها أكثر صعوبة مما ينبغي، وتحوِّلها إلى معاناة نفسية وعاطفية تؤثر على الصحة الجسدية والعقلية.

هذه الشخصيات التي تُعرف بـ”الشخصيات السامة” لا تقتصر على أصدقاء أو زملاء العمل فقط، بل قد تكون داخل الأسرة كالأزواج أو الآباء أو الإخوة. والأسوأ من ذلك، أن بعض المؤسسات بأكملها تتسم بثقافة عمل سامة تؤدي إلى أذى نفسي وصحي بالغ.

كثيراً ما نسمع مصطلح “توكسيك” ولكن عل نعرف خصائص الانسان التوكسيك أو الشخصية السامة، ومتى ندرك أننا في علاقة تتسم بالسمية. وبداية أود أن اشير الى أن مقالي هذا هو مقال رأي، وليس مقال مبني على بحث علمي، كما أنني لست متخصصاً في علم النفس، ولكن المقال هو من نتاج التجارب العملية وينطوي على وجهة نظري في الموضوع.

خصائص الشخصيات السامة

الشخصية السامة هي تلك التي تجلب السلبية والضغط إلى حياة الآخرين بطرق مختلفة، فمثلاً عندما تتعامل مع تلك الشخصيات تجد نفسك دائماً في حالة دفاع عن النفس، فكل مرة يتم لومك على التأخير في الاتصال أو عدم الاهتمام مثلاً، وحتى في المرات التي تقوم بواجبك على أكمل وجه تجد عبارات مثل “غريبة انك اتصلت” أو “مش عوايدك” وتظل أسطوانة اللوم مفتوحة. كذلك تركيزهم الأول والأخير هو أنفسهم، وشكواهم من الحياة والظروف وما الى ذلك، حتى عندما يسألوك عن أخبارك هو مجرد سؤال عابر فلا يستمعون لجوابك أو يتفاعلون معك ومن بين خصائص هذه الشخصيات:

النقد المستمر: يتفنن هؤلاء في التقليل من قيمة الآخرين، مستخدمين النقد اللاذع بشكل دائم.

التلاعب والابتزاز العاطفي: يعتمدون على التلاعب العاطفي لجعل الآخرين يشعرون بالذنب أو الالتزام المفرط.

الأنانية المفرطة: يهتمون فقط بأنفسهم، دون اعتبار لمشاعر أو حاجات الآخرين.

الدرامية: يميلون إلى تضخيم الأمور وإحداث مشاكل من لا شيء.

الطاقة السلبية: وجودهم بحد ذاته يولد شعورًا بالتوتر والإجهاد.

ليست الشخصيات السامة فقط ما يهددنا، بل إن هناك بيئات عمل كاملة تتسم بسُميتها. وتشمل السمات الشائعة لهذه البيئات: غياب التقدير والاعتراف بجهود الموظفين، سياسات عمل غير عادلة تؤدي إلى شعور دائم بالقلق والخوف، ضغوط العمل المفرطة دون دعم كافٍ، تفشي ثقافة النميمة والتنافس السلبي بين الموظفين.

ووفقًا لدراسة أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية  (APA)فإن 61% من الموظفين يشعرون بأن العمل يمثل مصدرًا رئيسيًا للتوتر في حياتهم، ولاحظت الدراسة أيضًا أن البيئات السامة قد تؤدي إلى أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، بل وحتى السكتات الدماغية.

التعامل مع الشخصيات والبيئات السامة

التعامل مع السُمية ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس مستحيلًا:

التحديد والوعي: أول خطوة هي التعرف على الشخص أو البيئة السامة والتأكد من أنها هي السبب وراء مشاعر الإحباط والضغط.

وضع الحدود: التعامل مع الشخصيات السامة يحتاج إلى وضع حدود صارمة معهم للحفاظ على سلامتك النفسية.

التواصل الفعّال: حاول توصيل مشاعرك ومخاوفك بطريقة واضحة ومباشرة.

طلب المساعدة: إذا كنت تواجه بيئة عمل سامة، قد يكون من المفيد اللجوء إلى قسم الموارد البشرية أو البحث عن فرص بديلة.

الاعتناء بالنفس: مارس الأنشطة التي تخفف من التوتر مثل الرياضة أو التأمل.

والسؤال المهم هو هل يمكن علاج السُمية؟ بعض الشخصيات السامة يمكن أن تتغير إذا أدركت تأثيرها السلبي على الآخرين وتلقت الدعم المناسب.

ومع ذلك، قد تكون هناك شخصيات ترفض التغيير، وفي هذه الحالة يجب اتخاذ قرارات صعبة للحفاظ على سلامتك النفسية منها تجنب التعامل مع هؤلاء الأشخاص بل وقد يصل الأمر لقطع العلاقة بهم نهائياً اذا استمروا دون تغيير حقيقي. يقول الطبيب النفسي روبرت جلاسر: “الشخصيات السامة تسرق طاقتك وسعادتك، احرص على الحفاظ على مساحتك النفسية.”

أما عن الشخصيات السامة في العائلة، فقد تكون المواجهة أصعب، ولكن يجب اللجوء إلى الحوار البناء والبحث عن الدعم الأسري أو النفسي إذا لزم الأمر.

استلهمت هذا المقال من تجربة بعض الأصدقاء الذين ألهموني بحديثهم عن تأثير الشخصيات السامة والبيئات السامة في حياتنا، وأتمنى أن يكون هذا المقال نافذة لفهم هذه الظاهرة وكيفية التصدي لها. إن الحياة قصيرة جدًا لنضيعها مع أشخاص أو في أماكن تمتص طاقتنا وتجعلنا غير سعداء.

صحيح أن التعامل مع السُمية يتطلب شجاعة ووعيًا، ولكن الحفاظ على سلامتنا النفسية والجسدية يستحق الجهد.

إذا كنت تعاني من شخص أو بيئة سامة، تذكر دائمًا أنك تستحق حياة أفضل وأكثر صحة، أدام الله عليكم الصحة والسعادة وراحة البال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى