نرمين قاسم تكتب: حيل المغالطات المنطقية وتأثيرها السلبي على تفكيرك
بعد أيام يهل علينا شهر رمضان، شهر الخير والبركات، والتجمعات العائلية التي تُميز هذا الشهر الفضيل..
ومع كل رمضان هناك شخص موجود في حياتنا يسأل هذا السؤال..
“صايم… ولا زي كل سنة؟”
هذا النوع من الاسئلة يبدو لنا من الوهلة الأولى سؤال هزلي غرضه المزاح ليس إلا، لكن الحقيقة غير ذلك، فهذا السؤال يندرج تحت ما يُسمى “المغالطات المنطقية”.
من أخطر ماتفعله المغالطات المنطقية أنها تعرض عليك الأفكار السلبية بطريقة تنطلي على عقلك، وتغلف الأكاذيب بغلاف يمرره العقل.
ومن أبرز استخدامات المغالطات المنطقية الكوميكس والنكات والاستيكرات التي شاع استخدامها على سبيل التسلية، فباستخدام الكوميكس والاستيكرات تصبح لديك القدرة على تحوير وتحويل الكلام لشيء آخر، فمثلاً في إنجازات الدولة هنقول عليها فنكوش، من غير دليل ولا قرينة على هذا الكلام، ومع كثرة التكرار تتحول من مجرد كلمة عابرة إلى حقيقة يتناقلها الناس، واستخدام صور الرؤساء والمثقفين وأصحاب الفِكر كمادة لصناعة استيكرات للتسفيه من الشخص وتحويله من شخص مهم لشخص نتناوله بالسخرية.
نحن نعيش في عصرٍ معقد؛ لكثرة الشائعات وعدم وضوح الرؤية، والتباس الأمور على البعض، ومع كثرة وسائل الإعلام والجدالات المُثارة يوميًا، نجد أنَّ حاجتنا لاستخدام العقل والمنطق السليم تزداد شيئًا فشيئًا، ويصبح تعلم المغالطات المنطقية ضرورة.
فكلٌ منا بشكل أو بآخر وقع فى فخ المغالطات المنطقية سواء نُوقِع فيها غيرنا أونقع فيها بقصد أو بغير قصد.
وأدعوكم إلى التعرف على المغالطات المنطقية، وكيف تسخدم للإيقاع بالضحية.. ضحية الدخول في نقاش لا نجيد فيه التعامل مع “المغالطات المنطقية” فربما تحتاج أن تتقن فن التعامل مع المغالطات المنطقية وكشفها حتى لا تفشلَ وتصبح عرضة للتلاعب بعقلك ونقل أفكار مغلوطة وغير حقيقية.
والمغالطات التي نتحدث عنها هنا عبارة عن خدع وأوهام في التفكير، وتستخدم عادةً من قِبل رجال الدين والسياسية والإعلام، وغيرهم من الناس للخداع، لذلك بإتقان المغالطات المنطقية، أحيانا يخسر الحوار المثقف والطبيب والمهندس، إذا كان لا يجيد استخدام هذه المغالطات.
المغالطات المنطقية نوع من الكلام تكون الحجة المستخدمة فيه صحيحة ظاهريًا، لكنها غير متَّسِقة مع الإثبات موضع الحديث، إما لانعدام الترابط بين المقدمة والنتيجة، أو لخطأ في الدليل المعتمد عليه من الأساس.
من البديهي أنْ يرتكب الدماغ بعض الأخطاء أثناء قيامه بعملية التفكير، وقد يكون دون قصد، وفي أحيانٍ أخرى قد يتعمد فعل ذلك للفوز بالنقاش، فيلجأ لتشويه المنطق.
واستعرض لكم هنا بعضًا من المغالطات التي تتعرضون لها في الحديث، والتي تجعلكم تخسرون حجتكم على الرغم من صوابها.
وبالتعرف على أشهر المغالطات المنطقية نحاول المساعدة في كشف أنك قد وقعت ضحية مغالطة منطقية في نقاشك مع أحدهم، مهما كان اسم المغالطة.
“إذا لم تقرأ هذا المقال فاعلم أنَّ الشيطان قد منعك”
هذه المقدمة.. هي نفسها مغالطة منطقية، حيث يستخدم المتحدث أسلوب التهديد دون مبرر، فما علاقة الشيطان بالمقال! وهل لديه دليل يُثبت أن الشيطان هو مَن سيمنعك مِن قراءته؟
لتجد نفسك لاإراديًا تتجه للقراءة؛ لأنَّ الوازع الديني يُملي عليك ذلك.
“صايم… ولا زي كل سنة؟”
السؤال السخيف الذي نسمعه مع بداية كل رمضان، ونتردد في الإجابة عليه من بين تلك الخيارات التي حصرنا السائل فيها، فالسؤال يحمل فروضًا مسبقة لا دليل عليها وأيًّا ما كانت إجابتك فلقد اعترفت بالفرض الموجود في السؤال.
وتُعرَف هذه المغالطة باسم “السؤال المشحون/ المركَّب” ومثل تلك الأسئلة لا يجب الرد عليها بالإثبات أو النفي، إنَّه فخ يضيِّق نطاق الخيارات، غير أنه ليس سؤالًا بسيطًا، بل عدة أسئلة في سؤال واحد، وجب تفكيكها أولًا والإجابة عليها كلٌ على حِدة.
“لماذا لايؤمن الملحدون بوجود الله رغم أنَّه مذكور في القرآن؟”
فكر قليلًا ستكتشف بنفسك هذه المغالطة، حيث تعتمد تلك المغالطة على تأييد الكلام من داخله لا من خارجه، فالإيمان بالقرآن يستلزم قبلها الإيمان بالله، حتى تقتنع، حين يكون الدليل جزءًا من النتيجة المراد إثباتها، في أنه يتعين عليك إثبات وجود الله بمصدرٍ محايد.
“الحب ليس خيارًا، بل طماطم”
عنوان المثال واضح، أنني أريد التحدث عن موضوع معين، لكني سأتحدث عن موضوع مربع، لابد أنك تعرف أن معظم ألفاظ اللغة ألفاظ مشتركة، ولها نطاق واسع من المعاني، لكن لحُسن الحظ أن هناك سياقًا صريحًا يسمح لك بتخمين المعنىٰ المراد، وهو الأمر الذي خيبنا ظنك فيه ففاجأناك بمعنى آخر غير متوقع في بداية المثال.
وتَستغل هذه المغالطة اشتراك معاني اللغة مع بعضها لتخدم أهدافها البلاغية، والذي يشار إليه باسم “الجناس التام.”
ولا تقتصر هذه المغالطة على الألفاظ المشتركة فقط، بل هي أي التباسٍ في المعنى بسبب استخدام الألفاظ بطريقة ملتوية، ولهذه المغالطة أشكال كثيرة، ولكن في النهاية تبقى فكرة هذه المغالطة واحدة مع اختلاف أنواعها والتي تعتمد في الأساس على اللعب بالألفاظ والمعاني، وأتمنى ألّا تكون كثرة التفاصيل جَعلتكم تنسون أساسها،”فبعض الناس ينسون، والبعض الآخر ليمون”.
“الرجل الذي عَدَّ شعر رأسه”
اقرأ هذه المغالطة جيدًا.. ذات مرة أراد أحدهم أنْ يسخر مِن شخص غزير الشعر فمازحه متسائلًا: “كم عدد شعرات رأسك؟”
فأجابه قائلًا: 61254 شعرة. فتعجّب قائلًا: كيف عرفت ذلك! فقال له إذا كنت لا تصدّقني، قم بعدِّهم.
ارتكب السائل هنا “مغالطة الاحتكام إلى الجهل”، وهي مغالطة تعتمد على اعتماد غياب الدليل مأخذ الدليل، فيبرهن شخص أنَّ شيئًا ما هو صحيح بالضرورة طالما لا يوجد دليل على خطئه، أو العكس.
وجهلك بشئٍ هو دلالة على عدم معرفتك به، وليس إثباتًا على أنَّ العكس هو الصحيح.
“كل الناس بتعمل كده.. هو انت هتفهم أكتر من فلان”
هذه المغالطة تعتمد على الاستشهاد بالأغلبية، بأنه لمجرد أنَّ عددًا كبيرًا من الناس يفعلون ذلك، فلا بد أنه الأفضل والأصح، ومن هنا بدأت مغالطة “الاحتكام إلى عامة الناس”، أو كما يطلق عليها أيضًا “التوسل بالأكثرية”، وأصبحت تُطلق على أي موقف يتبنىٰ فيه الشخص رأيًا ما لمجرد أنَّ القطيع كله مع هذا الرأي.
“لقد سرقني اللصوص ليلًا.. أمرٌ مؤسف لم يكن مِن الضروري أن تغادر المنزل ليلا”.
تُستخدم عندما يتملص الشخص من الموضوع الأصلي ويتفرَّع منه إلى موضوع آخر قد يكون على صلة به، ويخوض في تفاصيل الموضوع الأخير ناسيًا أو متناسيًا الغرض الأساسي للمناقشة.
حيث يتحول مجرىٰ الحديث عن التوقيت الذي كان يجب النزول فيه، ويتحول المسروق من شخص يجب مساعدته إلى شخصٍ يوجَّه إليه اللوم، ونفس الأمر يحدث يوميًا مع ضحايا التحرش، عندما تسمع أول ما تسمع “لِبسَها السبب”.
“عليك بالتدخين فهو يُخفض احتمالية موتك إثر أزمة قلبية”
أثبتت الدراسات أنّه بالمقارنة بغير المدخنين فإن المدخنين الذين أصيبوا بنوبات قلبية سجّلوا معدلات وفاة أقل، كما أظهروا استجابة جيدة تجاه نوعين من أدوية القلب.. انتهىٰ الخبر! هل ستدخن الآن؟
يميل البشر إلى البحث عمّا يؤكد معتقداتهم، فحتى لو توافر ألف دليل على أنَّ التدخين مُضِر، فإن شخصًا يريد أنْ يثبت فوائد التدخين سيتغاضىٰ عن تلك الألف، ويأتي بدليل على فائدة واحدة للتدخين، وتُعرف تلك المغالطة بمغالطة “انحياز التأييد”، وهي تتعارض أشدَّ التعارض مع مبادئ البحث العلمي.
تتعدد المغالطات المنطقية وتتخذ أشكالاً كثيرة، مثل:
“الانقسام الزائف”
“التوسل بالاستثناء”
مغالطة “وأنت ًايضا تفعل ذلك”
وغيرها الكثير والكثير من المغالطات التي لا أُبالغ في قولي بأنه لايمكن حصرها في مقال واحد، لكثرتها وتنوعها وتعدد طرق استخدامها.
وما يجب أنْ نعلمه هو أنَّ قدرتنا كأفراد ومجتمعات، على تفنيد البديهيات العقلية وتمييزها من بين كل الأكاذيب، سيجنبنا أضرارًا نحن في غِنًى عنها، ففي غياب التفكير المنطقي تقع ضحية عقلك الباطن والمؤثرات المحيطة، ونجد أنفسنا نُكرِّر تكرارًا أعمىٰ لكل مايُقال لنا عن طريق الطقوس الاجتماعية، أو السياسية، أو حتى الدينية، دون استخدامٍ للعقل والمنطق.
في النهاية سواءً أردنا أم لا، فإننا نستخدم المغالطات المنطقية بشكلٍ أو بآخر وأحيانًا نقع في فخها، لكن الأهم هو معرفة هدف استخدام هذه المغالطات، حتى لا تصبح فريسة لأفكار وقناعات غير صحيحة.