حكاوي السلاموني.. هوس الآثار الجزء الثاني
وبعد ما سبنا الشيخ في أول ليلة من ليالي الأسبوع اللى طلبها على الحفرة اللى كنا حفرناها، وغطاها بالقماش الأبيض اللى كتب عليه طلاسم ولغة غير مفهومة، يتمتم ويقرا بعد ما جهزناله النار والبخور والعشا.
سألته: كان بيطول وهو بيقرا وبياخد وقت كتير؟
قال: من ساعة لساعة ونص تقريبا.
قلتله: وليه محدش بيقعد معاه؟
قال: هو طلب كدة.
قلتله: تفتكر كان بيعمل إيه؟
قال: بص بصراحة أنا راقبته في مرة، عشان أعرف بيعمل إيه، لقيته بيقرا من الكتاب القديم اللى كان جايبه معاه، ويولع بخور، وساعات يسكت شوية ويتكلم شوية، وتحس إنه قاعد مع حد بيكلمه.
والحاجة الغريبة اللى لاحظتها يا أستاذ، إنه كان بيدخل على الحفرة فى توقيت واحد منتظم، يعنى تقريبا كانت الساعة ٩ مساء من كل يوم.
سألته: وباقي اليوم بيعمل إيه؟
قال: غالبا نايم لأنه بيسهر يوميا للفجر، فطول النهار نايم أو بيقرا، ومش بيروح عند الحفرة إلا بالليل، وكنا أنا وأخويا معاه دايما بصفة مستمرة، مش بنسيبه خالص، عشان لو طلب أي حاجة، دة غير عمي اللى كان بيعدي عليه باستمرار، ويقعدوا مع بعض أوقات طويلة.
سألته: هو مخرجش من البيت خالص طول الفترة دى.
قال: نهائي، ولا مرة، هيخرج يروح فين؟ هو غريب ومايعرفش حد فى بلدنا، وبعدين كل طلباته مجابة، أكل وشرب ودخان. ولو خرج ممكن حد يشوفه من ناس البلد وأنت عارف الصعايدة، مش هيسكتوا غير لما يجيبوا قراره.
ونسيت أقولك حاجة مهمة، إحنا فضينا البيت نهائي من البهايم اللى فيه ونقلناهم مكان تاني، عشان محدش يعرف حاجة من أمي وأخواتي البنات، اللى كانوا بيجوا يراعوا البهايم، وبعدين أنت عارف يا أبو عمو، النسوان ما يتبلش فى بوقها فولة، وكانوا فضحونا في البلد.
سألته: إيه اللي كان بيدور فى ذهنك خلال الأسبوع؟
رد وقال: حاجات كتير يا أستاذ وأحلام وردية، تخيل لما يطلعلك كنز بملايين الدولارات هتعمل إيه؟ دنا مكنتش بنام، وبحلم وأنا صاحي…يوووه يا أستاذ، فكرتني بالذي مضى..!
كمل وبعدين…
مر ٦ أيام على هذا المنوال، وجه الشيخ فى اليوم السادس قالنا: استعدوا، بكرة الأمانة هتطلع وكانت فرحتنا متشلهاش الأرض، وبالفعل فى اليوم السابع بعد ما خلص قراية عند الحفرة زي كل يوم، ندهلنا أنا وأخويا، وعمي كان معانا، ودخلنا.
وقال عايز واحد قلبه جامد، قلتله أنا، قالي نزل أيدك من تحت القماش اللي مغطى الحفرة وطلع اللي تلاقيه، وفعلا دخلت إيدي وحسست وطلعت بتمثال دهب طوله ٦٠ سم، وقال لأخويا يلا دورك أنت كمان، ونزل أخويا إيده وطلع بتمثال دهب تاني في نفس الحجم، بس شكله مختلف، وعمي واقف فى حالة ذهول.
وسألناه: فى حاجة تاني؟ قال: لا، أمانتكم كدة طلعت، وقعدنا مع بعض نتكلم هنعمل إيه، قال: أنا عملت اللي عليا وطلعت الأمانة، وعايز أجري وأتكل على الله، ودة كان مبلغ ال٧٠ ألف اللي اتفق ياخده مقابل شغله.
وفجأة عمي قال: لا مش هتاخد فلوس دلوقتي غير لما نبيع الأمانة، رد الشيخ عليه وقاله: دة مش اتفاقنا من الأول، رد عمي: افرض إدناك الفلوس وطلعت المساخيط مضروبة، هنجيبك منين؟!
الشيخ ملامحه اتغيرت، وقال لعمي: خلاص عندي حل تاني، سأله عمي: إيه هو؟ قاله مادام مش هاخد الفلوس اللي اتفقنا عليها وهستنى لما تبيعوا يبقى كدة هدخل معاكم شريك وتتقسم الفلوس على أربعة، عمي رفض برضو، وقاله: هتاخد ال٧٠ ألف بعد البيع بس.
سألنا الشيخ: عندكم حد يشيل؟
أنا وأخويا وعمي بصوت واحد: لا.
الشيخ: أنا عندي، يلا بينا.
خدنا الأمانة وركبنا العربية، وكانت الساعة تقريبا ١ ونص صباحا، واتجهنا إلى التاجر اللى هيشيل، وكان فى الأقصر، وبعد ساعة من التحرك، أنا نمت فى العربية، وصحيت على نور الشمس فى وشي، والعربية راكنة على جنب الطريق، وعمي وأخويا فى سابع نومة، والشيخ والمساخيط مش موجودين.
قمت مفزوع وصحيتهم، وبقولهم فين الشيخ والحاجة؟ محدش فيهم عارف يرد من هول الصدمة، ونزل عمي من العربية مزهول يبص حواليه وكان هيلطم من اللي حصل.
سألته: ممكن تفهمني حصل إيه؟
قال: الشيخ متعرفش نيمنا إزاي وخد المساخيط وخلع.
نيمكم إزاى؟
مهو شيخ وساحر، ومش هيغلب يعني..!
معنى كدة إن التماثيل حقيقية ومش مطروبة.
أكيد طبعا، أومال خدها وهرب ليه.
طب وبعدين…
ولا قبلين، زعلنا من عمي عشان هو السبب فى المصيبة اللي حصلت عشان رفض ندي الشيخ أجره، فقرر الشيخ يخذوقنا كلنا، وياخد الشيلة كلها زي ما حكيتلك. ورجعنا احنا على رأي المثل: “بخفي حنين” لا طولنا أبيض ولا اسود.
وقعدنا سنتين يا أستاذ ندور عليه فى كل حتة فى مصر وكأنه فص ملح وداب. وضاعت كل الأحلام اللي رسمتها فى مهب الريح…
ونلتقي فى الحلقة الجاية مع حكاية جديدة من حكاوي السلاموني