إعداد: نسرين طارق
تحتفل دول العالم في الأول من مايو من كل عام بـ”عيد العمال”، ويعتبر هذا اليوم عطلة رسمية في أكثر من 100 دولة حول العالم، فما قصة هذا اعتبار هذا اليوم عيد؟
كانت الولايات المتحدة تعيش بداية الثورة الصناعية منذ منتصف القرن التاسع عشر، وكان العمال الأوروبيون المهاجرون إلى “العالم الجديد” يمثلون الشريحة الأكبر في القوة العاملة في أمريكا.
وكانت ظروف العمل صعبة جدا والأجور متدنية وساعات العمل طويلة، ولهذه الأسباب شاعت الاضرابات العمالية في العقد الثامن من القرن التاسع عشر.
وكان من بين قادة الحركة العمالية الأمريكية عدد كبير من الاشتراكيين والشيوعيين وغيرهم من اليساريين الذين كانوا يؤمنون بضرورة القضاء على النظام الرأسمالي من أجل انهاء الاستغلال، وأغلب هؤلاء القادة مهاجرون من أصول المانية.
وفي عام 1886، دعا اتحاد نقابات العمال في الولايات المتحدة إلى إضراب في الأول من مايو للمطالبة بأن تكون عدد ساعات العمل 8 سعات فقط يومياً.
وشارك في الإضراب أكثر من 300 ألف عامل من مختلف المصانع التي يعملون بها في جميع أنحاء البلاد.
مسيرات العمال
في 3 مايو، قتلت الشرطة الأمريكية عدد من العمال المضربين في مدينة شيكاغو، أحد مراكز حركة الاحتجاج.
ونظم العمال بعد ذلك مسيرة سلمية، دعماً لمطلب تحديد سقف ساعات العمل اليومي بثماني ساعات واحتجاجاً على مقتل زملائهم قبل يوم على يد الشرطة.
وألقى مجهول قنبلة على رجال الشرطة عندما كانت تحاول تفريق العمال المضربين في ختام المسيرة، وأدى انفجار القنبلة واطلاق النار الذي تلاه إلى مقتل 7 من رجال الشرطة وأربعة من العمال، في ساحة هيماركيت في مدينة شيكاغو.
وفي أعقاب المحاكمة التي جرت، تم الحكم على 8 من القادة النقابيين بتهمة الهجوم على الشرطة، وأعدم أربعة منهم عام 1887، بينما عفا حاكم ولاية ايلينوي عن البقية عام 1893 وندد بالمحاكمة.
وفي عام 1889 كتب رئيس اتحاد نقابات العمال في أمريكا إلى المؤتمر الأول للأممية الثانية الذي عقد في باريس، داعياً إلى توحيد نضال العمال حول العالم لتحديد عدد ساعات العمل بثماني ساعات فقط في اليوم.
وقرر المؤتمر الاستجابة لهذا المطلب عبر الدعوة إلى “مظاهرات حول العالم” في الأول من شهر مايو عام 1890، وأصبح هذا اليوم منذ ذلك العام عيداً للعمال حول العالم.
اختيار اليوم تكريما للضحايا
وكان اختيار هذا اليوم بمثابة تكريم لضحايا ساحة هيماركيت في شيكاغو وغيرها من الاحتجاجات والإضرابات العمالية التي شهدتها المدينة عام 1886.
ويُعدّ الأول من مايو يوم عطلة رسمية في 107 دول حول العالم تمثل ما لا يقل عن 67 في المئة من سكان الكرة الأرضية.
ظل الاحتفال بعيد العمال لعقود من الزمن قاصرا على الدول الاشتراكية مثل كوبا والاتحاد السوفيتي آنذاك والصين، باعتباره أحد أهم الأعياد.
وعادة ما كانت تميزه مسيرات ضخمة، مثل تلك التي أقيمت في الساحة الحمراء في موسكو، والتي حضرها كبار مسؤولي الحزب والدولة.
واعتقد القادة الشيوعيون أن العيد والاحتفال من شأنه أن يلهم الطبقات العاملة في أوروبا وأمريكا للتوحد في النضال ضد الرأسمالية.
وتشابهت القصة في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية، حيث تم إعلان عيد العمال رسمياً عطلة وطنية في عام 1945، وتم الاحتفال به بمواكب ومهرجانات.
وفي دول أخرى من العالم، نظمت النقابات أيضًا مسيرات في عيد العمال للمطالبة بتحسين ظروف العمل.
وفي مصر كان هناك تراث عمالي مستقل للاحتفال بعيد العمال بدأ في 1924، إذ نظم عمال الإسكندرية احتفالاً كبيرًا في مقر الاتحاد العام لنقابات العمال ثم ساروا في مظاهرة ضخمة.
ومع وصول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للسلطة والتأميم التدريجي للحركة العمالية، أخذت المناسبة شكلاً رسميًا وتم استيعابها.
ثم في عام 1964 أصبح الأول من مايو عطلة رسمية، يلقى فيها رئيس الجمهورية خطابًا سياسيًا أمام النقابيين وقيادات العمال.
حقوق العمال في تدني عالمي
وتظل حقوق العمال مهمة في مواجهة الارتفاع المتوقع في معدلات البطالة وفقر العاملين.
على الرغم من انخفاض معدلات البطالة ونمو معدلات التوظيف الإيجابي، الا ان الأجور انخفضت في غالبية دول مجموعة العشرين، حيث فشلت زيادات الأجور في مواكبة التضخم في العام الماضي، حسبما ذكرت منظمة العمل الدولية في تقريرها لعام 2024.
وتقول منظمة العمل الدولية إن عدد العمال الذين عاشوا في فقر مدقع في العام الماضي، والذين يكسبون أقل من 2.15 دولار في اليوم للشخص الواحد، ارتفع بنحو مليون شخص على مستوى العالم.