كتب: إسلام كمال ووكالات
بعد يوم كامل من الروايات الإسرائيلية مختلف الأوجه، وفي كل السياقات، وبجميع الأدوات، حول حادث الحدود، الذي قتل فيه عنصر تأمين مصري شهيد ثلاثة جنود إسرائيليين وأصاب إثنين، كان من الضروري أن نجمع لكم كل هذه الأقاويل مع بعض التحليل.
ونتطلع إلى أن تكون الصورة واضحة بالنسبة لكم من خلال جهدنا، بعيدا عن التريندات الموجهة من صهاينة اليهود في مقدمتهم إيدي كوهين ومائير مصري ومجيد قطب وروعي كيس وأفخاي أدرعي وغيرهم، وصهاينة الإسلام، الإخوان الإرهابيين.
استراتيجية الردع
بداية، يجب أن يدرك الجميع، أن هذا الحادث يضرب استراتيجية الردع، التي تصدعنا بها إسرائيل منذ سنوات في مقتل، ولو ربطنا بين حادث الاختراق الحدودي ناحية لبنان منذ شهرين، والذى انتهى بتفجير في مستوطنات الشمال، وعدم قدرة إسرائيل على مواجهة كل قذائف المقومة من غزة، وفشلهم في إحباط العمليات الفدائية وعمليات الطعن والدهس في العمق ، فإن هذا يعنى عدم قدرة إسرائيل على الردع فعليا، بخلاف ما تتعرض له من هجمات سيبرانية إيرانية أو غيرها، وهذا كله رغم قدرات الموساد والشاباك والشين بيت، والدموية الإسرائيلية في الغارات المختلفة وقنص المقاومين.
وأكد على ذلك تحقيق إسرائيلي أولي في واقعة تسلل الشرطي المصري عبر الحدود، كشف عن ثغرات في منظومة الأمن الإسرائيلية.
وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن الحديث يكشف عن ثغرتين على الأقل، يقوم الجيش الإسرائيلي حاليا بالتحقيق بشأنهما.
أولا، تسلل العنصر المصري، الذي يسمونه مخربا رغم الرواية الرسمية المصرية، التي اعتبرته عنصر تأمين، إلى داخل الأراضي الإسرائيلية دون أن يتم رصده، على الرغم من رفع مستوى المراقبة في المنطقة الحدودية مع مصر، وفي ظل يقظة شديدة من قبل القوات ليلا التي تقوم بإحباط عمليات تهريب مخدرات يتخللها أيضا إطلاق نار”.
ثغرة أخرى تمثلت في وجود فجوة كبيرة من الوقت امتدت لنحو ساعة بين آخر تقرير عن الاتصال بين المجند والمجندة، اللذين كانا بمفردهما يقومان بمهمة مراقبة الحدود في الصباح الباكر، وبين العثور على جثتيهما.
الثغرة الثالثة التي لم يركزوا عليها
وثغرة ثالثة لم تتحدث عن الصحيفة الإسرائيلية او تغافلت عنها، وهي بقاء العنصر المصري وفق الروايات المختلفة، داخل النطاق المسيطرة عليه إسرائيل من حوالي الرابعة فجرا، وحتى حوالي العاشرة صباحا، وأسقط خلال هذا الوقت مختلف الأهداف وفي أماكن مختلفة، وفقط رصدته الدرون، وهذا ما فرق في الموقف.
وعودة ليديعوت احرونوت التي قالت: “سيتحقق الجيش أيضا مما إذا كان من الآمن وضع مقاتلين بمفردهما في مواقع منعزلة نسبيًا على الحدود لمدة 12 ساعة، حتى لو طُلب منهما الحفاظ بشكل متكرر على الاتصال-على الرغم من أن دورية تعمل في قطاعهم وتتحرك حول المنطقة”.
وبالطبع تحول الحادث لأزمة سياسية وعسكرية كبيرة في إسرائيل، خاصة إنها تفضح استراتيجية الردع، وتمس العلاقات المصرية الإسرائيلية المهمة للجانبين، ولذلك تدخل فيها كل قيادات المستوى الرفيع في الجيش والحكومة، ومنع المعروفين بالتهييج من نوعية الوزيرين الصهيونيين بن جفير وسموطرتيش، حتى الآن، على الأقل .
وأبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزراءه، أن الحادث على الحدود المصرية “استثنائي وعابر” ولا يعبر عن التعاون مع مصر في الحفاظ على الأمن في منطقة الحدود”.
فيما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت أن “الحادث عند حدود مصر انتهى بنتائج وخيمة وأجريت تقييمًا للوضع مع رئيس الأركان ونحقق في ملابساته”.
وأفادت كل وسائل الإعلام الإسرائيلية، إن الجيش الإسرائيلي باشر تحقيقات ميدانية وتنسيقية بالتعاون مع القاهرة، وأكد الجيش أن التحقيق في الحادث يجري بتعاون كامل ووثيق مع الجيش المصري.
التحقيق الميداني
وبينما يستمر التحقيق الميداني الإسرائيلي، أفادت إذاعة الجيش “جالاي تساهل” مساء أمس إن مطلق النار لم يتسلل من فجوة في السياج الحدودي بل دخل من معبر طوارئ، وفق روايتهم غير الموثقة مصريا.
وأضافت الإذاعة الإسرائيلية أن الجنديين اللذين قتلا أولا قرب الحدود لم يطلقا النار من أسلحتهما و”يبدو أن منفذ العملية فاجأهما”.
وذكرت أيضا أن طائرة مسيرة “رصدت مطلق النار على عمق كيلومتر ونصف داخل الأراضي المسيطرة عليها إسرائيل”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن رئيس الأركان أجرى تقييما للوضع الأمني في موقع الحادثة مع قائد المنطقة الجنوبية وقائد الفرقة 80.
ونقلت إذاعة الجيش عن رئيس الأركان هرتسي هاليفي قوله إن التحقيق في الحادث بدقة.
وكذلك، نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الجنرال إليعازر توليدانو قوله إن التحقيق يجري بشكل مشترك مع الجانب المصري، وما زال في بدايته.
وفي تصريحات أدلى بها قرب معبر العوجة (نيتسانا وفق التسمية الإسرائيلية) قوله إنه منذ اكتشاف جثتي الجندي والجندية جرى التعامل مع الأمر على أنه حدث “إرهابي”.
وأضاف الجنرال الإسرائيلي أن المعلومات المؤكدة تشير إلى أنه “حادث عملياتي قاس” وأن الأحداث توالت منذ الصباح بعد حادث ليلي تم فيه إحباط محاولة تهريب مخدرات على مقربة من الموقع ذاته.
وأوضح أن قائد قوة إسرائيلية أجرى عمليات تمشيط قتل خلالها الجندي الثالث، وتمكن القائد من قتل المهاجم لكن الملابسات لم تتضح بعد.
وتابع “هناك الكثير من الأسئلة وتحديدا داخل القوات العسكرية، ونجري تحقيقا معمقا في قيادة اللواء الجنوبي ولواء سيناء”.
مهاجم أم مهاجمون؟
وفي حين تحدث الجيش الإسرائيلي عن مهاجم واحد، قالت مصادر للجزيرة إن مسلحين تسللوا وأطلقوا النار على مراحل مختلفة عند الحدود مع مصر.
آخر مرة شهدت الحدود المصرية الإسرائيلية محاولة تسلل، وقتل خلالها أحد المهربين، كانت قبل عام ونصف العام من الآن.
الحركة على الحدود كانت نشطة بين عامي 2004 و 2012 من خلال المهاجرين الأفارقة السودانيين والإرتريين وغيرهم، إلى أن بنت إسرائيل سياجا أمنيا بطول 241 كيلومترا يمتد من إيلات وطابا على البحر الأحمر حتى نقطة التقاء الحدود المصرية الإسرائيلية الفلسطينية شرق رفح.
الروايات الإسرائيلية المختلفة
بعد أكثر من رواية قدمها بشأن الحادثة، قال المحلل السياسي والعسكري المختص في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي أمير أورين لبرنامج “ما وراء الخبر” الإسرائيلي المهم، عن تصوره للكيفية التي وقعت بها الحادثة، إن مهربي مخدرات من صحراء سيناء المصرية حاولوا العبور إلى صحراء النقب في إسرائيل، وقامت الكتيبة الإسرائيلية بالتصدي لهم.
وأضاف أنه في الوقت ذاته بالتزامن مع ملاحقة الكتيبة الإسرائيلية المهربين، تعرض جنديان إسرائيليان لهجوم من شخص مجهول ولقيا حتفهما.
و”خلال عملية مداهمة القاتل في الداخل الإسرائيلي، قام بقتل جندي ثالث”، مشيرا إلى أن أسباب الحادثة لا تزال قيد البحث من الطرفين المصري والإسرائيلي رغم تباين روايتيهما.
أما على الصعيد المصري، فاعتبر حسين هريدي -مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق- الرواية الإسرائيلية غير مقنعة وتحتاج إلى تدقيق، مؤكدا أن طبيعة الحدود الصحراوية تقع فيها مثل هذه الحوادث.
وقال إن الجانب المصري يواصل دراسة الوضع وإجراء التحقيقات اللازمة، معتبرا أن إسرائيل تضخم من حجم الحادث وتصعدها بشكل لا يتناسب مع هذه الوقائع.
فشل أمني إسرائيلي
من جهته، اعتبر الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي أن إسرائيل في حالة انفجار شديد بسبب الفشل الأمني الكبير داخلها، مشددا على أن تل أبيب لا تتحمل وقوع خسائر بشرية بأي شكل من الأشكال.
وأوضح أن الحادثة تؤكد فشل حكومة نتنياهو التي كانت تراهن على أن اتفاقيات السلام مع بعض الدول العربية ستجعل الشعوب أيضا تتبنى الموقف نفسه.
ووصف البرغوثي الشاب المصري بأنه شهيد ومقاوم، فهو إما قام بواجبه المهني بملاحقة مهربي المخدرات، وفقا للرواية المصرية، أو كان يدافع عن وطنه وبلده لمواجهة موقف عدواني وقع في تلك اللحظة.
واعتبر ما حدث دليلا على أن الشعوب العربية لا تزال تضع القضية الفلسطينية في قمة أولوياتها وترفض أي تطبيع مع إسرائيل على حساب مصالح الشعب الفلسطيني