هشام النجار يكتب: ترامب رئيساً.. سيناريوهات الجنون ومسؤولية الفلسطينيين
انتشى بنيامين نتنياهو بالطبع لسماعه الخبر الذي كان ينتظره بفارغ الصبر، وهو فوز صديقه وحليفه دونالد ترامب في الإنتخابات الأميركية، والسؤال الهزلي والمضحك المبكي هنا: ماذا بوسعه أن يقدم ترامب لليمين الإسرائيلي المتطرف بعد كل ما قدمه بايدن والديمقراطيون، وما الذي يمكن أن يفعله نتنياهو السادر في غيه الماضي حتى النهاية في حروبه مستغلًا وجود ترامب في البيت الأبيض، ذلك الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وزاد من عنده اعترافه بأحقيتها في ضم هضبة الجولان؟ هل سيعلن عن ضم الضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها منهيًا تمامًا مبادرة حل الدولتين؟ أم سيستغل الفرصة بعد أن مهد لها داخليًا بالإقالات والتغييرات لضرب النووي الإيراني وتوجيه ضربة قاسية للجمهورية الإسلامية، أم سيبني الهيكل داخل المسجد الأقصى؟
أرى أن القضية لا تتعلق بذهاب رئيس أميركي ومجيء آخر، ولا باستمرار بنيامين نتنياهو وتياره اليميني المتطرف في المشهد من عدمه، فهؤلاء جميعًا يسيرون وفقًا لخطط واستراتيجيات مرسومة بدقة مسبقًا وليسو سوى منفذين لها، إنما يتعلق الأمر بشأن منع التدهور وكبح الجنون ووقف الانهيار بالفلسطينيين أنفسهم؛ فهم لن تفيدهم إيران ولا محورها ولن يحدث تغيير بحدوث تغير في المشهد الأميركي، بل في المشهد الفلسطيني، فالفلسطينيون هم من يفيدون أنفسهم وقضيتهم ويضرونها بأيديهم.
هناك مراقبون (متفائلون) –لا سمح الله- يقولون إن الحرب وأهوالها وتداعياتها ستجبر الجميع بمن فيهم الإسرائيليين على التغيير واختيار الاعتدال والتوافق على تسويات في ضوء وعود ترامب بأنه سينهي كل الحروب، وهو ما سيوصل إلى تسوية لإنقاذ المنطقة والعالم من الانحدار للهاوية، لكن ماذا لو لم يحدث هذا السيناريو واختار المغامر الميكيافيللي خواض المعارك الساعي لإنقاذ نفسه من النوم في التخشيبة نتنياهو أن يمضي في طريق الجنون حتى النهاية؟
إسمحوا لي بأن أسوق لحضراتكم هنا بضعة معلومات مهمة..
أولًا: نتنياهو الذي يعتبر إسرائيل دولة للشعب اليهودي فقط، نجح (دعونا نعترف) هو وتياره في أن يستفرد بغزة، عزلها واستفرد بها ونفذ فيها مخطط الإبادة والنزوح، وبالطبع ساعده الانقسام الفلسطيني.
وقبل غزة وبعدها استفرد بالضفة وبعد ما نزع الجيش الإسرائيلي سلاح الفصائل الفلسطينية وقضى على بنيتها العسكرية سنة 2002م في عملية (السور الواقي) بدأ ينفذ فيها تهجيرًا واستيطانًا في جميع أجزاء ما يسمونه أرض إسرائيل (في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة).
ثانيًا: التهجير والتطهير العرقي مطلوب إسرائيليًا في الضفة أكثر من غزة، لأن الضفة الغربية مع القدس الشرقية هي بمثابة الجائزة هي (يهودا والسامرة) أي الأرض التي يريدها المتشددون اليهود لشعبهم.
لذلك سبق التهجير في الضفة التهجير في غزة وأعقبه ومن المرجح إستمراره مع مجيء ترامب (وأتوقع أن مخطط الضفة سيجري تنفيذه خلال فترة تولية ترامب)، لقد نفذوا مخططًا محسوبًا بدقة متناهية؛ حولوا حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى جحيم، عنف من المستوطنين، طرد من البيوت، تخريب بساتين الزيتون، حرمان المزارعين الفلسطينيين من المياه والمراعي التي تحتاجها ماشيتهم، لكي ييأسوا ويستسلموا، ومن ثم يغادروا.
منظمة (بتسيلم) الإسرائيلية لحقوق الإنسان في تقريرها لشهر أكتوبر 2023م قالت ان 8 مجتمعات سكانية بأكملها في الضفة أفرادها عددهم 472 شخص مشوا من الضفة، فما ظنك بأكتوبر هذا العام؟
ثالثًا: المخطط الذي يستخدمون فيه كل الوسائل لتهجير الفلسطينيين في الضفة، أدى للإستيلاء على جزء كبير من مساحتها، ما يعني ببساطة تحولت البلدات والقرى الفلسطينية لمناطق معزولة مُحاصَرة وغيتوهات مُطَوقة.
منذ بداية الحرب يفعل الإسرائيليون في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية ما فعلوه في غزة؛ كانت ولا تزال هناك حرب ثانية، إجتياحات، تفجير بيوت وطرقات وبنى تحتية وقتل بالرصاص الحي وقصف وغارات بأطنان المتفجرات.
أرى أن المشهد يُفهم ليس من دخول إسرائيل بريًا غزة وتدمير سلاح حماس وتفكيك بنية المقاومة الإسلامية العسكرية، إنما يُفهم من تاريخ مارس 2002 عندما تحركت القوات الإسرائيلية لتدمير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ومحاصرة مقر ياسر عرفات في عملية (السور الواقي).
والنتيجة كانت تفكيك بنية الفصائل المسلحة ومنها فصائل فتح والخروج وترك الضفة بسلطة هشة (يعني لا تهش ولا تنش) أمام الانتهاكات الإسرائيلية على كل المستويات.
متى حدث هذا بالضفة؟ الإجابة: حصل مع ظهور بوادر الانقسام الفلسطيني والمُضي في مسار تقسيم الفلسطنيين إلى معسكرين منعزلين، ولما حصل ما حصل في غزة سنة 2007م وطردت حماس قوات فتح لتنفرد بغزة وتستقل بها لم تتدخل إسرائيل، راقبت من بعيد حتى حصل لها مرادها وهي جالسة تتفرج.
الانقسام والفصل بين غزة والضفة أفاد إسرائيل ومكنها أنها تستفرد بكل ساحة على حدة وتعمل فيها ما تريده وأن تبعد شبح إقامة دولة فلسطينية.
(غيرشوم جورنبرج) كتب مقال بصحيفة (نيويورك تايمز) في أكتوبر 2023م انتقد فيه سياسة فرق تسد التي نفذها نتنياهو في صفوف الفلسطينيين لكي يصل في النهاية إلى حلم الدولة اليهودية عنوانه (نتنياهو قادنا إلى الكارثة، يجب أن يرحل).
لكن يا سيد (غيرشوم)، ماذا لو لم يرحل واختار الإسرائيليون مواصلة تصدر التشدد اليميني، ما الذي يمكن أن يحصل وما السيناريوهات؟
سأطرح وأفصل هنا التصور الذي من الممكن أن يحصل وفقًا لطريقة تفكير اليمين اليهودي المتطرف وخططه، خاصة بعد إعادة إنتخاب ترامب:
سيُقتل المزيد والمزيد في غزة، سيُجبرون على أن يعيشوا في مخيمات ويقتربوا من الحدود، الميليشيات اليهودية ستقتل الفلسطينيين عشوائيًا في مدن ومخيمات الضفة، ستُهدم البيوت والمدارس وتستولي على الأراضي الفلسطينية المتبقية.
ولكي تتم السيطرة الكاملة على فلسطين ستضم إسرائيل رسميًا الضفة الغربية التي يسميها المتشددون اليهود (يهودا والسامرة)..
سيتم تطهير ملايين المسلمين والمسيحيين، بمن فيهم الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
سيطردون الفلسطينيين لكي يحصل الخلاص المسيحي، وفقًا للعقيدة التي تحرك (الصهيونية المسيحية) في أميركا والغرب.
تحقيق نبوءة (عودة المسيح المخلص لانتزاع المسيحيين المؤمنين من العالم المليئ بالخطيئة والشر)، لن يحصل إلا عندما تقوم (إسرائيل الكبرى) ويتجمع كل يهود العالم فيها ويُطرد الكفار، وهو ما يفعله (نتنياهو) – الذي يطمح في أن يكون مقدمة (المخلص) ولهذا يقدمون له الدعم المطلق وهو يطرد ويطهر عرقيًا ويرتكب إبادة، في الضفة وغزة، فهو في تصورهم (يهيئ المناخ ويحقق على الأرض شرط نزول المسيح المخلص).
المتطرفون اليهود محميون بالجيش والسلاح سيهدمون المسجد الأقصى ثالث أقدس مكان عند المسلمين؛ حيث يزعمون أنه بُني فوق أنقاض الهيكل اليهودي الثاني الذي دمره الجيش الروماني سنة 70 ميلادية، وسيبنون مكانه معبد يهودي ثالث.
ستُحكم إسرائيل بالقوانين الدينية التي يفرضها أحزاب مثل (شاس) و(يهودية التوراة المتحدة المتطرفة)..
الذين يدينون العنف والجرائم التي ترتكبها إسرائيل من اليهود والذين يرفضون الفاشية الجنونية للحكام والجيش سيعتبرونهم خونة وسيحاكموهم، وكثير من الفنانين والمثقفين والصحفيين واليساريين ودعاة السلام والمدافعين عن حقوق الإنسان من اليهود سيتم استهدافهم باعتبارهم خونة.
سيتم تحييد القضاء، ستقل مساحة المعارضة ولن يبقى هناك تسامح مع نقد أو حرية للدخول في نقاشات عامة وستختفي سيادة القانون والمجتمع المدني، وسيُرحل كل من تصفهم الحكومة بأنهم خونة وغير موالين، ما يعني أن القشرة الديمقراطية والليبرالية التي كانت على السطح ستُزال وستظهر إسرائيل كما هو مخطط لها (دولة دينية شمولية فاشية خالصة).
كثيرون سيندهشون مستبعدين حوث هذا السيناريو الجنوني المستحيل!
وأسأل: لماذا الإندهاش؟ أليس نتنياهو هو ذاك الذي يؤمن بالتفوق العرقي اليهودي ويذبح الفلسطينيين الذين شبههم بالعماليق التوراتيين الذين ذبحهم الإسرائيليون قديمًا؟
أليس هو الذي قال إنها معركة بين أبناء النور والظلام، ويعتقد أن المسلمين كائنات أدنى من البشر تجسد الشر ويجب أن تنقرض؟
ولماذا نذهب بعيدًا أليس هو الذي أسقط على غزة في أسبوعين عشرات الآلاف من أطنان المتفجرات ومحاها كليًا من الوجود وقتل وجرح عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال والشباب وشرد الملايين؟
كل ما فعله اليمين المتطرف الإسرائيلي وحتى بتوظيف الأطراف الفلسطينية كان خطوات للوصول لهدفه النهائي (إقامة دولة إسرائيل اليهودية).
استفاد من ناحية من توهم حماس أنه يمكن إدارة سلطة في غزة قبل تحرير الأرض وقبل الحصول على الحقوق واستثمار مقاومة ناجحة في تسوية سياسية متوافق عليها محليًا وإقليميًا ودوليًا، واستفاد من توهمها أنها باحتكارها المقاومة وانفصالها عن بقية التيارات الفلسطينية الوطنية من الممكن أن تنجح وتحقق انتصارًا.
وأيضًا استفاد من ناحية أخرى من توهم السلطة الفلسطينية أنها من الممكن أن تحكم في مناطق (أ و ب ) بالضفة تحت سلطة احتلال وأن تنسى المقاومة والسلاح وكأن القضية تم حلها.
بعدما كرس اليمين الإسرائيلي الانقسام وعزل حماس بأوهامها (المدججة بالسلاح) في غزة، وعزل فتح ومنظمة التحرير بأوهامها (المنزوعة السلاح) في الضفة، استفرد بهم ويفكك وينسف القوة المتبقية لديهم، وبهذا لم يعد هناك إلا بضع خطوات قليلة ويسيطر بالكامل على كل الأراضي الفلسطينية.
رأيي المتواضع هو: لا ترامب ولا إيران ولا المحور ولا الميليشيات السنية والشيعية ولا الغرب ولا الأميركان ولا روسيا والصين ولا العالم كله مجتمعًا، فقط الشعب الفلسطيني هو الأساس ومع حماس وبعدها ومع فتح والجبهات الشعبية وبعدها، ولا مجال للقضاء على شعب يناضل من أجل حقوقه المشروعة ومستحيل القضاء عسكريًا على حركة مقاومة متمسكة بحقوق شعبها.
لكن السؤال هنا هو: المقاومة أين وكيف ومن؟
ربنا جل جلاله يقول (وان تتولوا يستبدل قومًا غيركم)، والتولي هنا من ساحة الوحدة لا من ساحة النضال، والفلسطينيون وحدهم مسؤولون عن أي هزيمة أو نكبة ولن تغني وحدة ساحات ولا وحدة دول إسلامية وعربية وسنية وشيعية، إذا لم يتوحد الفلسطينيون أنفسهم وينهوا هذا الصراع وهذا الانقسام المقيت العبثي المخزي.
بل حتى الآن لا يزال هذا الانقسام مستمرًا بعد كل ما جرى وبعد كل المآسي والكوارث لا يستطيع الفلسطينيون تجاوز خلافاتهم وانقساماتهم لكي يواجهوا التحدي وهم متحدون يقفون صفًا واحدًا يؤازر بعضهم بعضًا.
أقول: لو لم تتحملوا المسؤولية أيها الفلسطينيون أيًا كان انتماؤكم، فالتاريخ لن يرحمكم، ولا يرحمكم شعبكم ولا أمتكم، لأن إسرائيل تحقق أهدافها بسبب فرقتكم وصراعاتكم وإنقساماتكم العبثية.
أنظروا ماذا يرعب إسرائيل وفعلت وتفعل المستحيل حتى لا يتحقق واصنعوه واجعلوه واقعًا وهو (وحدة الصف الفلسطيني).
تكرهون بعضكم بعضًا أيها الفلسطينيون؛ (إسلاميين وعلمانيين، يمين ويسار)، لكن اليهود اليمينيين يكرهونكم جميعًا ويريدون إبادتكم جميعًا بعدما خدعوكم وفصلوكم عن بعضكم البعض، فلا حل إلا الوحدة وبالوحدة أو (يستبدل الله قومًا غيركم).