شحاتة زكريا يكتب: الوعي سلاح الأوطان في معركة البناء
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المصالح أصبح الوعي هو السلاح الأقوى في مواجهة التحديات وبناء المستقبل .. الوعي ليس مجرد مفهوم نظري أو شعار نردده في المناسبات ، بل هو أساس التغيير ودعامة البناء لأي أمة تسعى إلى النهوض والريادة. وإذا كان التاريخ قد أثبت أن الشعوب الواعية هي التي تحافظ على أوطانها فإن الواقع اليوم يؤكد أن كل خطوة ناجحة نحو التقدم لا تتحقق إلا بمزيج من الوعي والإرادة.
إن وعي الإنسان بوطنه يبدأ من إدراكه لحجم التحديات والفرص المحيطة به. فالأوطان لا تُبنى بالأمنيات بل بالعمل الجاد والفكر المستنير. عندما يدرك المواطن دوره الحقيقي ومسؤوليته تجاه مجتمعه ، فإنه يتحول من مجرد فرد في منظومة كبيرة إلى جزء فاعل في صناعة النجاح. وهذا هو جوهر القضية: أن نفهم جميعا أن دورنا في التنمية يبدأ من وعينا ، وأن لكل فرد منا دورًا لا يقل أهمية عن دور غيره.
في كثير من الأحيان تُعاني الأوطان من محاولات التشكيك والتشويه، سواء من خلال المعلومات المغلوطة أو نشر الشائعات المغرضة. وهنا يظهر الوعي كحائط صد يحمي المجتمعات من الانزلاق نحو الهاوية. فالشخص الواعي لا ينجرف وراء كل ما يسمع أو يقرأ بل يُحلل ويفكر يُميز بين الحقيقة والزيف، ويُدرك أن الكلمة قد تكون أحيانا أقوى من الرصاص. إن نشر الشائعات أو تصديقها دون تحقق هو طعنة في قلب الوطن لا تقل خطورة عن أي تهديد خارجي.
من ناحية أخرى ، يكتمل الوعي عندما يُترجم إلى سلوك وأفعال يومية تعكس الانتماء الحقيقي للأرض. فالمواطن الواعي هو الذي يحرص على أداء واجباته قبل أن يطالب بحقوقه والذي يُدرك أن البناء مسؤولية مشتركة لا يتحملها القادة وحدهم بل يُشارك فيها الجميع. العمل، الالتزام، الإنتاجية، احترام القانون، كلها مفردات بسيطة، لكنّها تشكل في مجملها صورة الوطن القوي المتماسك.
لا يُمكن الحديث عن الوعي دون الإشارة إلى دور التعليم والإعلام في تشكيل عقلية الأفراد. فالتعليم ليس مجرد تلقين لمعلومات محفوظة، بل هو عملية بناء فكري تُساهم في تكوين أجيال قادرة على التفكير والإبداع. أما الإعلام فهو المرآة التي تعكس واقع المجتمع وتُسهم في توجيه الرأي العام. وبين التعليم والإعلام يتشكل الوعي الذي يُحصّن الوطن ضد الأفكار الهدامة ويحمل شعلة النور نحو المستقبل.
اليوم تقف بلادنا أمام منعطف حاسم ، حيث تتعاظم التحديات لكن تتوافر في الوقت ذاته فرص واعدة نحو التقدم. لذا بات من الضروري أن نُدرك جميعا أن تحقيق الحلم يتطلب منا وعيًا يقظًا وإرادة صلبة. يجب أن نكون حُماة هذا الوطن بالفكر والعمل، وأن نرفض كل ما يُحاول زعزعة استقرارنا أو تشتيت وحدتنا. فالمرحلة القادمة تحتاج إلى عقول واعية وقلوب مؤمنة بأن الوطن هو الأمان وأن حمايته وبناءه مسؤوليتنا جميعًا.
الوعي ليس رفاهية بل هو ضرورة تُحدد مصير الأمم. فالأوطان لا تنهض بالشعارات الرنانة ولا بالأحلام الوردية، بل بوعي أبنائها بما لهم وما عليهم. حين يكون الوعي حاضرا، تُختصر المسافات نحو النجاح ، وتُبنى الأوطان بسواعد أبنائها، لأنهم يدركون أن وطنهم يستحق الأفضل وأن المستقبل يُكتب اليوم بمداد العمل والإخلاص.