مصطفي فريد يكتب: كل ما تريد أن تعرفه عن المشهد التركي قبل انتخابات ١٤ مايو المصيرية.. هل يسقط أردوغان؟
الأمتار الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، كم هي مثيرة وفارقة ، على المشهد التركي عامة، وليس الرئيس التركي المنتهية ولايته، أردوغان فقط، فالناخب التركي يترقب الصناديق في 14 مايو الجاري، وسط أجواء عصيبة بدأت بمواجهات بين الأنصار والمعارضين في الخارج، وتلاسن بين المرشحين في الداخل.
في حال لم تحسم الانتخابات من الجولة الأولى، وهو السيناريو الأقرب، ستُعقد الجولة الثانية في 28 مايو . وتأتى هذه الانتخابات مختلفة عن سابقتها في عام 2018 بسبب مجموعة من العوامل أهمها ، المتغيرات السياسية على الساحة الإقليمية والدولية كذلك تغير خريطة التحالفات الحزبية عما كانت عليه في السابق بالإضافة إلى أنها تأتى بعد فترة قصيرة من الزلزال الأخير الذى تسبب في خسائر بشرية واقتصادية ضخمة، أثرت على صورة أردوغان تماما.
• التحالفات الحزبية وانتخابات الرئاسة
يتنافس أربعة مرشحون على منصب الرئاسة التركية ، ثلاثة منهم تدعمهم تحالفات حزبية وهم ” أردوغان ” ويدعمه تحالف الجمهور و” كمال كليتشدار أوغلو ” المنافس المناطح لأردوغان، ويدعمه تحالف المعارضة “وسنان أوغان ” ويدعمه تحالف الأجداد، والمرشح الرابع ” محرم إينجه ” مرشح مستقل و حصل على نسبة 31% من إجمالي أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2018 وبعدها انفصل عن حزب الشعب الجمهوري وأسس حزب البلد عام 2021، ورفض “إينجه “مؤخراً الانسحاب من السباق الرئاسي والدخول في تحالف المعارضة على الرغم من الانتقادات التي طالته بأنه سيتسبب في تفتيت أصوات المعارضة .
كما وقد شهدت التحالفات الحزبية في تركيا حالة من الاستقطاب غير مسبوقة في الآونة الأخيرة ، وحاولت الأحزاب السياسية تعظيم الاستفادة من تخفيض العتبة الانتخابية اللازمة لدخول البرلمان من 10% إلى 7% مما سمح للأحزاب الصغيرة من توسيع رقعتها في المعادلة السياسية رئاسية وبرلمانية والدخول في تحالفات لحجز مقعد في البرلمان، كما أن تلك التحالفات عملت على الدفع بمرشحيها لخوض السباق الرئاسي، وفيما يلى أهم تلك التحالفات وأكثرها تأثيراً لدى الناخب التركي:
تحالف الجمهور
يضم تحالف الجمهور أحزاب العدالة والتنمية والحركة القومية والإتحاد الكبير وقام مؤخراً بضم حزب الرفاة من جديد الذى يترأسه فاتح أربكان الذى قدًم أوراق ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية ولكنه انسحب من السباق الرئاسي وأنضم لتحالف الجمهور ليصبح بذلك الحزب الرابع في التحالف ، ويدعم التحالف حزبي” الدعوة الحرة ( هدى – بار ) ذو الأصول الكردية وحزب “اليسار الديمقراطي”، ليصبح التحالف مكًون من أربعة أحزاب متحالفة وحزبين داعمين، ومرشحهم رجب طيب أردوغان.
تحالف الطاولة السداسية(تحالف الشعب)
هو التحالف الأكبر من حيث عدد الأحزاب المتحالفة ، وتتكون الطاولة السداسية أو تحالف المعارضة المعروف أيضاً باسم تحالف الشعب من ستة أحزاب متباينة في خلفياتها السياسية بين العلمانية والليبرالية والقومية وهم حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب المستقبل وحزب السعادة والحزب الديمقراطي وحزب الديمقراطية والتقدم ويدعمهم في هذا التحالف حزب الشعوب الديمقراطي ذو الأصول الكردية والذى لم يقدم مرشح رئاسي في هذه الانتخابات ومرشحهم للرئاسة كمال كليتشدار أوغلو .
تحالف الأجداد “آتا”
هو تحالف بين أحزاب قومية علمانية وتستمد أفكارها السياسية من مؤسس الجمهورية التركية ” كمال أتاتورك “ويقودهم في هذا التحالف حزب الظفر ويرأسه ” أوميت أوزداغ ” ويضم التحالف حزب العدالة ويدعمهم حزبان آخران هما ” اتفاق تركيا “و “وطني ” ومرشحهم للانتخابات الرئاسية “سنان أوغان ” .
• مؤثرات فاعلة في المشهد الانتخابي
زادت حدة الصراع السياسي حول المشهد الانتخابي في تركيا الذى تشابك مع مجموعة من الملفات السياسية والاقتصادية سواء داخلياً أو خارجياً ، وتحاول كل الأطراف توظيف تلك الملفات لصالحها في العملية الانتخابية المقبلة، وفيما يلى أبرز الملفات المؤثرة والفاعلة في المشهد الانتخابي.
1. العلاقات الخارجية
تدهورت العلاقات السياسية لتركيا في السنوات الماضية مع دول منطقة الشرق الأوسط ، وكانت تلك الورقة السياسية أحد أهم الأوراق الانتخابية التي حاولت جميع الأطراف توظيفها، فقد صرًحت المعارضة بأن سياسات العدالة والتنمية هي السبب في تدهور العلاقات التركية مع محيطها الإقليمي وأنه في حال فازت المعارضة بالانتخابات الرئاسية ستعمل على تحسين علاقتها مع دول الجوار ، وسرعان ما تلقف تحالف الجمهور الحاكم هذه الورقة الانتخابية وسارع في تحسين العلاقات مع الدول العربية وفى القلب منها مصر كي يقطع السبيل على المعارضة من استغلال هذه الورقة.
ولم تكن العلاقات التركية مع الولايات المتحدة وأوروبا بعيدة عن العملية الانتخابية المقبلة ، فقد ساءت العلاقات بين تركيا وأمريكا على خلفية شراء تركيا لمنظومة صواريخ S400 الروسية مما دفع الولايات المتحدة لتعطيل صفقة بيع طائرات F16 إلى تركيا ووقف مشاركتها في برنامج تطوير طائرات F35 ، كذلك العلاقات التركية مع أوروبا ليست في أفضل حالاتها بسبب قضية “عثمان كافالا ” والتي تسببت في تصاعد حدة التوتر السياسي والدبلوماسي بين تركيا والغرب على خلفية هذه القضية وأخيراً اعتراض تركيا على قبول عضوية السويد وفنلندا في حلف الناتو إثر اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية .
وقد هاجمت المعارضة سياسات العدالة والتنمية تجاه تلك الملفات في محاولة لاستقطاب الناخب التركي لصالحها ،وفى المقابل وظًف أردوغان دور الوساطة التركية في الملف الروسي الأوكراني وعمل على تعظيم هذا الدور مع توفير ممرات آمنة بالتوافق مع الجانبين الروسي والأوكراني لتوفير إمدادات الحبوب إلى الدول الأخرى كما وافق مؤخراً على انضمام فنلندا لحلف الناتو لكى لا تصبح تلك الورقة فاعلة في أيدى المعارضة أمام الناخب التركي.
2. العامل الاقتصادي
من أهم المؤثرات الفاعلة في المشهد الانتخابي هي العامل الاقتصادي لدى الناخب التركي ، فقد شهدت تركيا أزمات اقتصادية حادة أثًرت سلباً على مؤشرات الاقتصاد الكلى وأنعكس ذلك على الناخب التركي بشكل كبير وبالتالي يحاول الطرفان الأهم في المعادلة الانتخابية توظيف هذا العامل كورقة انتخابية.
فقد ارتفع التضخم بنسبة 90% في العام الماضي على أساس سنوي، وخرجت الأموال الساخنة من السوق التركية بعد تبنى المركزي التركي سياسات خفض سعر الفائدة على العكس من البنك الفيدرالي الأمريكي الذى قام برفع أسعار الفائدة 6 مرات متتالية العام الماضي، فضلاً عن تغيير أردوغان لمحافظ البنك المركزي ولجنة السياسات النقدية أكثر من مرة مما تسبب في تخوف المستثمرين الأجانب من شفافية السياسية المالية والنقدية لتركيا، كما شكًل ارتفاع أسعار النفط والغاز العام الماضي إلى مستويات قياسية خاصة مع اندلاع الازمة الروسية الأوكرانية تحدياً كبيرا وضغط على تركيا التي تعتمد على الخارج بشكل كامل في توفير احتياجاتها من النفط والغاز، كما فقدت الليرة التركية أكثر من 100% من قيمتها.
وجاء الزلزال الأخير ليضيف تحدي آخر أمام أردوغان وحكومته ، فقد أشارت التقارير الصادرة عن المؤسسات الاقتصادية والمالية المتخصصة بان حجم الخسائر يتجاوز 100 مليار دولار ، وحاولت المعارضة استثمار الزلزال للتشكيك في قدرة الحكومة على التعامل مع هذه الازمة بل أنها حملتها المسئولية في حدوثها وأنها لم تكن جاهزة لمواجهة مثل هذه الأزمات ، كل هذه المدخلات أصبحت أهم الأوراق الفاعلة في المشهد الانتخابي القادم وحرص تحالف المعارضة على توجيه الناخب التركي نحو التصويت لمرشح المعارضة من خلال إبراز الإخفاقات الاقتصادية للعدالة والتنمية الحاكم.
وقدًم تحالف المعارضة وعوده الانتخابية بأنه سيقوم بخفض التضخم وتوفير السلع بأسعار رخيصة وزيادة معدلات التوظيف وتحقيق استقلالية للبنك المركزي، وفى هذا الإطار قام أردوغان برفع الحد الأدنى للأجور مرتين لاحتواء الناخب التركي وسارع في عملية إعادة الإعمار وتسليم وحدات سكنية لمتضرري الزلزال وإطلاق حزم دعم اقتصادي للشباب والحصول على حزم تمويلية ومساعدات من مجموعة من الدول والمؤسسات المالية العالمية بهدف إعادة الإعمار وإزالة أثار الزلزال ودعم الاقتصاد.
3. ملف اللاجئين
يظهر من خلال البرامج الانتخابية وحملات الدعاية لمرشحي الرئاسة المنافسين لأردوغان أنهم متوافقون على ضرورة إعادة اللاجئين لبلادهم ، وتوافق هؤلاء المرشحين حول هذه النقطة يعطى دلالة وأنها أصبحت ضرورة ملحة عند المواطن التركي وتدل أيضاً على أهمية هذا الملف وتأثيره في عملية التصويت للناخب التركي، وبناء عليه ادركت حكومة أردوغان تداعيات هذا الملف على المشهد الانتخابي فقامت في الفترة الماضية بتعديل قانون منح الجنسيات والإقامات للأجانب واطلقت برنامج عودة اللاجئين طواعية لبلادهم وحرصت على إعادة العلاقات مع سوريا من خلال اجتماعات رباعية تضم مسئولين من تركيا وسوريا وروسيا وإيران لضمان عودة السوريين لبلادهم وبالتالي التخلص من ضغط هذه الورقة في العملية الانتخابية القادمة.
4. الناخب الكردي
من ملامح الاستقطاب السياسي في المشهد الانتخابي الحالي لتركيا هو جذب أصوات الناخبين الأكراد فقد سبقت الإشارة إلى أن تحالف المعارضة المعروف بالطاولة السداسية حصل على دعم حزب الشعوب الديمقراطي وهو أكبر الأحزاب السياسية الكردية في تركيا والتي تمتلك قوة تأثير من خلال قاعدة تصويتية عريضة لدى أكراد تركيا، إلا أن هذا الدعم يُعد سلاح ذو حدين فبالرغم من الكتلة التصويتية العريضة التي يمتلكها الحزب إلا أنه متهم بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني الذى تتهمه تركيا بقيامه بأعمال إرهابية داخل أراضيها ولذلك حدثت انشقاقات داخل الطاولة السداسية على خلفية دعم هذا الحزب لتحالف المعارضة.
وعلى صعيد آخر تحرك تحالف الجمهور الحاكم بتوجيه الاتهامات لتحالف المعارضة بأنها تحصل على دعم جماعات وأحزاب تدعم الإرهاب في تركيا كما لجأ تحالف الجمهور إلى استراتيجية تفتيت الصوت الكردي من خلال الحصول على دعم حزب (هدى -بار) الكردي وبهذا يكون سحب البساط من تحت أقدام تحالف المعارضة ومنعها من تحقيق اقصى استفادة من الأصوات الكردية.
• احتمالات وتوقعات
يظهر من خلال ما سبق أن المشهد الحالي للانتخابات التركية مختلف تماماً عن السابق ويأتي في ظروف سياسية واقتصادية مغايرة على المستويين الإقليمي والدولي، كما أن استطلاعات الرأي تُظهر تقارب الفرص بين المرشحين الأبرز ” أردوغان ” و”كمال كليتشدار أوغلو” ومع تعدد المرشحين أصبحت المؤشرات تدفع بأن الانتخابات ربما لن تٌحسم من الجولة الأولى، كما أن عملية الاستقطابات الحزبية على أشدها.
فمنذ أيام أستقال أكثر من 300 عضو بحزب المستقبل – وهو حزب تحالف المعارضة – لصالح حزب العدالة والتنمية الحاكم ، وأستقال أيضاً أكثر من 400 عضو بحزب البلد ومرشحه محرم إينجه لصالح حزب الشعب الجمهوري وأكثر من ألف عضو من حزب الجيد المعارض لصالح العدالة والتنمية الحاكم ويبدو أن موجة الاستقطابات ستظل مستمرة حتى يوم الانتخابات نفسها . ومع هذا يمكن أن نرى أحد السيناريوهين القادمين هو الأقرب للحدوث وهما على النحو التالي:
1. أن يفوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية ولا يحقق أغلبية برلمانية
تظل احتمالات فوز أردوغان قائمة حتى صدور نتيجة الانتخابات إلا أنه من الصعوبة بمكان أن يستطيع تحقيق أغلبه برلمانية بعدد 360 مقعد من مقاعد البرلمان وبالتالي سيصعب عليه تمرير التعديلات الدستورية التي كان قد أشار إليها ، ولكن هذا السيناريو سيعمل على تقويض فرص المعارضة التي ترى أنها استعدت بشكل كامل للسباق الانتخابي ولم تنجح كما سيقوض فرص المعارضة في المعادلة السياسية في الفترة القادمة ولن تكون قادرة على الاستعداد للانتخابات البلدية العام القادم والتي توليها المعارضة اهتمام بالغ بعدما حصدت رئاسة بلديتي إسطنبول وأنقرة من العدالة والتنمية لأول مرة في انتخابات 2019.
2. أن تفوز المعارضة بالانتخابات الرئاسية ولا تحقق أغلبية برلمانية
مع تقارب الفرص بين المرشحين البارزين في الانتخابات ومع الأخذ في الاعتبار الكتلة التصويتية للناخبين في الخارج والتي لم تشملها استطلاعات الرأي، يظل احتمال فوز المعارضة بالرئاسة مطروحاً على الطاولة، وفى هذه الحالة ستعمل المعارضة على تنفيذ البرنامج الانتخابي التوافقي لتحالف الطاولة السداسية وهيكلة مؤسسة الرئاسة إلا أنها لن تكون قادرة على تمرير التعديلات الدستورية للانتقال إلى النظام البرلماني كما هو متفق عليه. وتكمن أهمية هذا الطرح بأنه سيعطى دفعة قوية للمعارضة لتوسيع تحالفاتها وتعزيز سياستها .