fbpx
مقالات

اللواء جمال طه يكتب: سقطاتهم التي كشفها حادث “العوجة”..هل تواطأ قتلى إسرائيل في تهريب المخدرات؟

هناك قائمة كبيرة من الحوادث الإسرائيلية المتعمدة لا يمكن تجاهلها

بمجرد تنفيذ «محمد صلاح إبراهيم» مجند الأمن المركزي بحرس الحدود عملية منفذ العوجة يوم 3 يونيو 2023، خرج أغلبية العرب والمصريين يمجدون بطولته، واحتسبوه شهيدا عند الله.

بينما تساءل بعض الحكماء عن تجاوزه لقواعد الانضباط، وإخلاله باتفاق السلام مع إسرائيل، وتهديده أمن الحدود المكلف بحراستها.

ميول محمد صلاح
ما فرض بداية التعرف على توجهات المذكور وميوله من بروفايله، وبعدها نطرح رؤيتنا لما سربه الاعلام الإسرائيلي عن مؤشرات التحقيق، وما قد نراه حقائق تم إخفائها، لكنها تكاد تنطق بين السطور.

محمد أنشأ صفحته على الفيس بوك في شهر رمضان المبارك لعام 2021، كان عمره آنذاك قد قارب العشرين عاما.. البروفايل يعكس شخصية بسيطة، محبوبة بين أصدقاءه، ليس له ميول عقائدية متشددة، ولا قناعات سياسية متطرفة.

حتى في البوست الوحيد الذى نشره بتاريخ 19 مايو 2021 ويعكس رؤيا سياسية، نقله من صفحة «الكومنت الفشيخ» نصفه العلوى مقولة لـ «مايك بنس» نائب الرئيس ترامب يؤكد فيها أن «أمريكا تقف مع إسرائيل»، وفى النصف السفلى رد أحد الفلسطينيين بأن «الله يقف مع فلسطين».

خلفيات بوست “الله مع فلسطين”
لنتذكر أنه في ذلك التاريخ اعتدت إسرائيل على عشرات الفلسطينيين، ومنعتهم من التواجد في ساحة «باب العامود»، المدخل الرئيسي للـمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ووقعت اشتباكات مع الشرطة، تدخلت على إثرها الجماعات الإسرائيلية المتطرفة ودعت لـ «حرق العرب»، وتداعت الأحداث حتى اقتحم الإسرائيليون المسجد الأقصى يوم 28 رمضان.

«محمد» اكتفي بتكرار عبارة «الله يقف مع فلسطين»، وهو موقف كل الشعوب العربية، وأضاف هاشتاج #GazaUnderAttack.

تحليل بوستات منفذ الحادث
في 29 مايو 2021 نشر صورته وخلفيتها الأهرامات الثلاث بالجيزة، وكتب عليها «انا ثابت وسط ناس كتيرة خابت».

في 2 يونيو ظهر مرتديا بنطلون جينز ممزق وقميص أبيض عليه لوجو LV ونظارة ملونة عاكسة، وكتب تحذيرا مبكرا لا يخلو من دلالة «متعملوش جدعان عشان المواقف والشدة هتغربلكو ».

وفي 28 يونيو نشر صورته بخلفية البحر، كان يرتدى قميصا مشجرا، وكتب دعاء «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ».

يوم 30 يونيو 2021 احتفل بعيد ميلاده العشرين، كان مرتديا نفس القميص، وكتب مؤكدا «رضُيت بُكل ما أردته لي»، ودعي ربه «إرضني فـِ عامِي الجَديد بِفرح وجَبر مِن حيث لا احتسب❤️🌹».. هو إذن قريب إلى الله بدون أجندات دينية، وملابسه العصرية تؤكد ذلك.

في 18 نوفمبر 2021 وضع «محمد» صورة جديدة للبروفايل، أعطى فيها ظهره للدنيا وللكاميرا، فاتحا ذراعيه باتساع صدره، محتضنا الأفق الغامض، مرحبا بالقادم، وظلت تلك صورة البروفايل حتى قضي.

انقطع عن الصفحة شهورا، ثم عاد في يناير 2022 بصور وكلمات عادية وبسيطة.. لكنه منذ مايو بدأ يستعد للتجنيد.

وكتب على صورته بالمسجد في 5 يونيو مستبشرا «بإذن الله الجديد أحسن من القديم، واللي جاي أحلي وأحلي بإذن الله».

التحق كمجند بالأمن المركزي في يونيو ٢٠٢٢، ثم عين بحراسة الحدود قطاع شمال سيناء عند العلامة الدولية 47 في العوجة، وكانت آخر بوستاته يوم 26 مارس، عندما نشر صورته ممتطيا صهوة جواد، ودعي ربه «اللهم كما أصلحت الصالحين، أصلحني واجعلنِي منهم ».


النتيجة إيجابية.. وأبلغ أهله بقدومه منتصف يونيو
زيارة البروفايل أكدت أن الرجل لم يكن متشددا دينيا ، ولا متطرفا فكريا ولا ذئبا منفردا، وإلا فلماذا انتظر عاما كاملا منذ التحاقه بالخدمة في يونيو 2022 لينفذ العملية؟! خاصة أنه اتصل بأهله قبلها، وأبلغهم بنزوله في أجازه منتصف يونيو.

سر عملية تهريب المخدرات
مما يؤكد عدم نيته القيام بالعملية، ولم يخطط لها، لكن ظروفا طارئة دفعته اليها.. هذه الظروف تتعلق بعملية تهريب المخدرات التي تمت قبل العملية مباشرة، والتي أكد وقوعها الجانبين المصري والإسرائيلي، مع اختلاف موقعهما منها.

حساسية العلاقة
حساسية العلاقة بين مصر وإسرائيل تفرض التعامل مع الواقعة بهدوء وتدبر، خاصة أنها ليست الأولى في تاريخ حوادث الحدود بين مصر وإسرائيل، فالجندي «سليمان خاطر» عبر الحدود عند نقطة رأس برقة جنوب سيناء عام 1985، وقتل 7 جنود إسرائيليين، دخلوا أرضنا، ثم عاد ليسلم نفسه الى قيادته ليودع في السجن العسكري ويقضى داخله.

حالتا سليمان خاطر وأيمن حسن
والجندي «أيمن حسن» أغضبه إهانة جنود إسرائيليين للعلم المصري في نوفمبر 1990، فغادر موقع خدمته برأس النقب، وعبر الحدود مهاجما رتلا إسرائيليا، وتمكن من قتل 21 عسكريا وأصاب 20 غيرهم، ثم عاد ليسلم نفسه ويقدم للمحاكمة، التي قضت بسجنه 12 عاما.

اعتداءاتهم علينا كثيرة
الاعتداءات لم تكن دائما من الجانب المصري، بل فاقتها اعتداءات العسكريين الإسرائيليين على الجنود والمدنيين المصريين داخل حدودنا، لكنني أكتفى بأمثلة؛ فقد عبرت وحدة عسكرية إسرائيلية الحدود لداخل سيناء بمنطقة إيلات يوم 18 أغسطس 2011، متعللة بتعقب إرهابيين، وقامت بقتل 5 جنود مصريين.

تقرير قوات المراقبة الدولية في سيناء أدان إسرائيل لارتكابها مخالفتين لاتفاق السلام «اجتياز الحدود، وإطلاق النيران وقتل المصريين»، الواقعة أثارت استياءً كبيرًا، اعتصم على إثره ألاف المتظاهرين أمام السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وانزلوا العلم الإسرائيلي واحرقوه، ورفعوا علم مصر، مطالبين بطرد السفير.

واقعة ٢٠٠٤ .. قتل فيها الإسرائيليون ثلاثة
وفى 18 سبتمبر 2004 أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفة أصابت منطقة «تل السلطان» داخل الحدود المصرية، أعقبها إطلاق نار عشوائي من الجنود الإسرائيليين، ما أصاب ثلاثة جنود مصريين، لقى اثنان منهم مصرعهما في الحال، وتوفى الثالث متأثراً بجراحه.

الروايات الإسرائيلية
الإعلام الإسرائيلي تناول نتائج التحقيقات الأولية، مؤكدا تسلم الجنديين نوبتيهما في التاسعة مساء 2 يونيو لمدة 12 ساعة، وأن عملية تهريب مخدرات كبرى تم إجهاضها في الثالثة من فجر 3 يونيو 2023، وكان آخر اتصال بين الجنديين وقيادتهما، في الرابعة والربع فجرا ، وأعطيا تماما بأن كل شيء على ما يرام.

ويؤكد ذلك السياق ان الجنديين لم يبلغا قيادتهما عن ضبط المخدرات المهربة، وإلا لكانت الجهات المعنية قد توجهت فورا لإثبات الحالة، ومصادرة المضبوطات، وتتبع المهربين.

هل المجندة والمجند تورطا مع مهربي المخدرات؟
لكن ذلك لم يحدث، حيث لم يكتشف القادة الميدانيون الإسرائيليون مقتل الجندي والمجندة الا بعد التاسعة صباحا، عندما انتابهم القلق من عدم ردهما على الاتصالات، وتلقيهم إخطارا من القيادة المصرية باختفاء «جندي» في إطار التنسيق الجاري بشأن أمن الحدود.

العثور على المخدرات
أول ما اكتشفه القادة الميدانيون بالموقع بعد تأكدهما من مقتل الجنديين، هو وجود كمية ضخمة من المخدرات، قدرت قيمتها بمبلغ 400 ألف دولار، والمعروف أن إسرائيل هي المصدر الأساسي لتهريب الهيروين إلى مصر.

معلومة الأموال التي عثر عليها مع المجندين
«اتحاد قبائل سيناء» نقل عن نشطاء إسرائيليين ان الجنديين القتيلين ضبط بحوزتهما في السيارة الجيب مبلغا كبيرا جدا من المال، وتلك معلومة بالغة الأهمية!!

القيادة الميدانية لم تتمكن من التعرف على موقع الجندي المصري الا باستعانتها بالطائرات المسيرة بعد الحادية عشر صباحا.

ورغم ذلك تمكن من اصطياد جندي ثالث وإصابة ضابط، قبل أن يتم اغتياله.. معركة طويلة استغرقت قرابة 6 ساعات.

سيناريو الحادث الغامض
غياب القاتل والقتلى وعدم وجود كاميرات، فرض صعوبة التعرف على سيناريو العملية، لكن ما تسرب من نتائج التحقيقات، توضح عدة حقائق بالغة الأهمية:

  1. إن أول ما شغل القيادة الإسرائيلية هو تبرير وجود المخدرات بالموقع، بالإعلان عن إن الجندي والمجندة احتفلا بنجاحهما في ضبط الشحنة، وذلك ردا على ما ذكره مراسل «تليفزيون 14»، من إنهما قد جمعتهما علاقة حميمة قبل العملية مباشرة!!.
  2. سر العلاقة الحميمية
    رأوا في هذه الرواية توجه أخف وطأة من التورط في عملية التهريب، والحصول من التاجر الإسرائيلي الذي ترك المخدرات بنقطة الحراسة – على مبلغ الرشوة الذي ضُبِط داخل السيارة الجيب- ليتسلمها التاجر المصري. إصرارهم على توريط صلاح
  3. «القناة 12» وصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيليتان نقلتا عن نتائج التحقيق الأولية أن «الجندي المصري غادر معسكره ليلاً، وسار حوالي خمس كيلومترات مسلحاً ببندقية كلاشينكوف قديمة وصولاً إلى معبر نيتسانا “العوجة”. وكان بحوزته 6 مخازن ذخيرة وسكاكين كوماندوز ومصحف، وقطع أربطة بوابة المعبر المخصصة للتنسيق بشأن تتبع المهربين بسكين.
  4. وتقديرنا أنه اتجه لمسرح الحادث بعد رصد عملية التهريب من موقعه، واستنتاج احتمال تورط نقطة الحراسة الإسرائيلية فيها، وحاول منع الخطوة التالية المنتظرة، وهي وصول المهربين من الجانب المصري من الحدود لاستلام الشحنة.
  5. ظهور «محمد» منع المهربين من الجانب المصري من الاقتراب لاستلام الشحنة، ما شجعه للاتجاه الى نقطة المراقبة الإسرائيلية لمراجعتهم، حيث وجد الجندي والمجندة في وضع مستفز، بالنسبة لشاب 22 سنة، من بيئة شعبية محافظة، ما أطاح بالموقف في مجمله خارج نطاق التعامل المنطقي الرصين.
  6. تقديرنا
  7. «محمد» لم يرى في الجندي والمجندة سوى عنصرين فاسدين تورطا في تهريب المخدرات لبلاده.. ولديه عذره، وهو يعايش ما تفعله المخدرات بأبناء حيه، ولا موضع لمساءلته عن اختراق الحدود، فقد دلف من بوابة التنسيق في هذه الحالات.. لكن ما يستحق المحاسبة، هو عدم الإبلاغ وتلقى الأوامر من قيادته قبل التحرك.
  8. ولكي نتفهم دوافعه آنذاك، نشير إلى أن حراس الحدود المصريين يتناقلون فيما بينهم، ضرورات الحذر من الخطورة التي تمثلها الحرب مع تجار المخدرات على حياتهم.
  9. «محمد» قتل الجندي والمجندة حوالي الساعة السادسة صباحاً، كانت أمامه فرصة العودة للمعسكر على بعد 6,5 كيلومترا، لكنه توقع سرعة وصول نجدة إسرائيلية لنقطة الحراسة، على وقع دوى الطلقات، وقيامها بتمشيط المنطقة، ما دفعه لاتخاذ موقع آمن يسيطر على ممر الإمداد، حتى تمكن بالفعل من قتل المجند الثالث، قبل اغتياله.

بناء على ما تقدم، لا ينبغي إسناد العملية لأي منظور ديني أو سياسي، فالشاب غير منتمى لأى جهات ما، ولم يتجه لمسرح الأحداث بنية مبيته وفق تقديرنا، تتعلق بالجهاد، أو المساس باتفاق السلام، أو تهديد أمن دول الجوار.

تصرف في حدود ثقافته المتواضعة كخريج إعدادية، معززة بوطنية مفرطة، ونقاء سريرة، وواجه مخاوفه من تهديد تجارة المخدرات عبر الحدود، على بلاده بشجاعة وأدى واجبه، رغم استحقاقه عقاب عدم الاستئذان من قيادته قبل مغادرة موقعه، لكنه بدون أدنى شك صنع بطولة، كتبت له الشهادة.. عظّموا شهيدكم.

وهذا تقديري .. ولننتظر نتيجة التحقيق النهائية، ولنا وقتها كلمة

  • المقالات تعبر عن آراء كتابها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى