شحاتة زكريا يكتب: الوعي الإعلامي.. السلاح الأقوى في مواجهة الشائعات
في عصر تسيطر فيه التكنولوجيا على كافة جوانب حياتنا أصبحت المعلومات في متناول الجميع بضغطة زر.. لكن مع هذا التدفق غير المسبوق للمعلومات، تصاعدت أزمة الشائعات والمعلومات المغلوطة، والتي باتت واحدة من أخطر التحديات التي تهدد استقرار المجتمعات. ليس الأمر مجرد أخطاء عابرة أو تفسيرات غير دقيقة بل أصبح التضليل الإعلامي أداة تُستخدم عمدا لإحداث الفوضى والتلاعب بالعقول، مما يؤدي إلى تصدعات عميقة في النسيج الاجتماعي.
ما يُميّز الشائعات عن الأخبار الصحيحة هو سرعة انتشارها وقدرتها على إثارة الذعر أو التأثير على الرأي العام دون أي دليل حقيقي. وعلى الرغم من أن التضليل الإعلامي ليس ظاهرة جديدة فإن أدواته اليوم أصبحت أكثر تطورا مستفيدة من منصات التواصل الاجتماعي التي تمنح الجميع منبرا بلا قيود.
هذا التحول أسهم في خلق بيئة خصبة لنمو الأكاذيب وتضخيمها، وأدى إلى بناء وعي جمعي زائف أحيانا، وهو ما يمثل تهديدا ليس فقط للأفراد بل للمجتمعات بأكملها.
الوقوف أمام هذا الخطر يستدعي تعزيز الوعي الإعلامي لدى الأفراد وخاصة الشباب الذين يمثلون الشريحة الأكبر من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
الوعي الإعلامي ليس رفاهية، بل هو مهارة أساسية تمكّن الأفراد من التمييز بين الحقائق والزيف، ومن تحليل ما يصلهم من معلومات بشكل نقدي. في هذا الإطار تلعب التربية الإعلامية والرقمية دورا محوريا في تمكين الناس من تقييم الموثوقية والتحقق من مصادر المعلومات قبل تبنيها أو مشاركتها.
بناء الوعي الإعلامي يبدأ بتعليم الناس كيفية التفكير النقدي. التفكير النقدي لا يعني التشكيك بكل شيء بل القدرة على طرح الأسئلة الصحيحة وتفكيك الادعاءات لتحليلها بشكل منهجي. حينما يتمكن الفرد من تحديد المغالطات المنطقية والتمييز بين المعلومة الموثوقة والمُضللة، فإنه يصبح أكثر قدرة على مواجهة سيل المعلومات اليومي الذي يتعرض له.
الأمر لا يقتصر على الأفراد فقط. بل يشمل المؤسسات التعليمية والإعلامية، والحكومات جميعها معنية بمواجهة هذا التحدي عبر إدراج مقررات دراسية تتعلق بالتربية الإعلامية في المناهج، وعقد ورش تدريبية حول التفكير النقدي يمكننا بناء أجيال تمتلك المناعة الفكرية ضد التضليل الإعلامي.
من المبادرات التي تستحق الإشادة في هذا السياق حملة “بالعقل كده”، التي أطلقتها المنظمة العربية للحوار، وتهدف الحملة إلى تعزيز الوعي الإعلامي بين الشباب وتشجيعهم على التفكير العقلاني في التعامل مع المحتوى الرقمي.
المبادرة تقدم نموذجا عمليا لمواجهة التضليل، حيث تُعلم الشباب أسس الرد الإعلامي المدروس، ما يسهم في تقوية المجتمعات أمام أي محاولات لتزييف الحقائق.
في النهاية لا يمكن مواجهة التزييف الإعلامي دون تكاتف الجهود المجتمعية، التصدي للشائعات والمعلومات المغلوطة ليس مسؤولية فردية، بل واجب جماعي يستلزم التعاون بين الأفراد والمؤسسات فقط عبر تعزيز الوعي الإعلامي وتكريس التفكير النقدي كأساس للحياة اليومية، يمكننا حماية مجتمعاتنا من هذا السلاح الخفي الذي يُهدد استقرارها.
الوعي هو الحصن المنيع والتفكير النقدي هو السلاح الذي لا يَفلُّه شيء.