تقرير: كمال السيد
من جديد فجرت إسرائيل أزمة الغاز الفلسطينى في غزة، الموجود على الحدود مع مصر، حيث أبلغت تل أبيب القاهرة وواشنطن ورام الله بتجدد النقاشات حول حقل الغاز “مارين”، وتقول إنه تظهر هناك العديد من الصعوبات، وهى بحاجة للحصول على رعاية مصرية في التواصل مع الفلسطينيين، وبالطبع حركة حماس لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ذلك، حيث طالبت بنصيب من هذا الغاز منذ اكتشافه.
ويقدر مسؤول إسرائيلي أن هذه الخطوة ستثير انتقادات كبيرة خاصة في ملف الجنود الأسرى لدى حماس، لأنها ستضطرهم لتقديم تسهيلات لقطاع غزة دون أى إحراز تقدم في قضية الجنود الإسرائيليين.
التعنت الإسرائيلي
ومعروف إنه بعد اعتراض دام نحو 30 عاماً وافقت إسرائيل للفلسطينيين على العمل المشترك مع مصر لاستخراج الغاز الطبيعي من حقل “غزة مارين” شرط أن تجري محاصصة الكميات، لكن ثمة عراقيل تقف أمام هذه الخطوة، فحركة “حماس” تتهم السلطة الفلسطينية التي تجري اتفاقاً فنياً حول ذلك الملف بأنها غير مؤتمنة، فضلاً عن أنها لن تقف في دور المتفرج على الموارد الطبيعية الخاصة بغزة توزع أمام عينها.
ومنذ فترة تجري السلطة الفلسطينية محادثات موسعة مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية للبدء باستخراج الغاز الطبيعي من حقل “غزة مارين” وذلك بعد توقيع اتفاق لتطوير الحقل العام الماضي، وتأخذ تلك المحادثات طابعاً فنياً حول آليات توزيع الحصص على ثلاثة أطراف وهي فلسطين ومصر وإسرائيل وتشير المعلومات الواردة إلى إمكانية التوصل إلى صيغة مرضية للأطراف كافة.
ويقع “غزة مارين” على بعد 22 ميلاً بحرياً من شاطئ مدينة غزة وجرى اكتشافه عام 1999 عبر مهمة بحث أوكلتها السلطة الفلسطينية إلى شركة “بريتش غاز” البريطانية التي نجحت في تطوير العمل داخل المنطقة المكتشفة وحفر بئرين، لكنها توقفت عن العمل في عام 2002 بعد اندلاع الانتفاضة الثانية.
وبعدها توالت على الحقل ثلاث شركات أخرى لكنها لم تستمر في العمل بسبب ضغوط إسرائيلية، ومنذ عام 2018 شكلت السلطة الفلسطينية ائتلافاً لتطوير الحقل يضم صندوق الاستثمار الفلسطيني (مؤسسة شبه حكومية) وشركة اتحاد المقاولين العالمية والمطور العالمي الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، لكن لم يجر العمل فيه بسبب قيود سياسية.
شراكة لاستخراج الغاز
وتحتاج السلطة الفلسطينية إلى نحو 1.2 مليار دولار أميركي لتطوير الحقل وهذا ما دفعها إلى تشكيل ائتلاف عمل، وتظهر بيانات الشركات العاملة لتطوير عمليات استخراج الغاز أن احتياطي حقل “غزة مارين” يقدر بحوالى 1.4 تريليون قدم مكعبة، ما يعادل طاقة إنتاجية تبلغ 1.5 مليار متر مكعب سنوياً ولمدة 20 عاماً وسيؤمن نحو 200 مليون دولار سنوياً لخزانة الفلسطينيين.
ولمحاولة بدء العمل في “غزة مارين” وقعت السلطة الفلسطينية مع الجانب المصري عام 2021 على مذكرة تفاهم لتطوير الحقل على أن يجري العمل لاستخراج الغاز منه بعد 30 شهراً، لكن إسرائيل اعترضت على ذلك خوفاً من استفادة “حماس” وعودة الأموال إليها.
لكن الفلسطينيين طالبوا في منتدى الشرق المتوسط للغاز الذي عقد في يونيو الماضي ببدء العمل في حقل “غزة مارين” وهو ما يتطلب أن ترفع إسرائيل قيودها عن هذا الملف واستعانوا بالمصريين لتحقيق ذلك.
اتفاق فني
وفي هذا الشأن يقول مستشار رئيس السلطة الفلسطينية للشؤون الاقتصادية محمد مصطفى إن محاولات استخراج الغاز كانت دائماً تصطدم بتعنت الموقف الإسرائيلي، مما أخّر هذا الأمر، لكن حالياً يقوم صندوق الاستثمار الفلسطيني بالتفاوض مع مصر لإنجاز اتفاق استخراج الغاز من قبالة شواطئ غزة.
وبشكل رسمي أعلنت الحكومة الفلسطينية عن قرب التوصل إلى اتفاق فني مع مصر وإسرائيل، تبدأ بموجبه الأطراف استخراج الغاز من حقل “غزة مارين” وأقر مجلس الوزراء خطة عمل حول ذلك تتضمن تشكيل لجنة وزارية مهمتها تمويل الحقل وتشغيله.
ويقول رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية “نعمل على ملف الغاز في قطاع غزة بشكل مكثف ونتجه للتوصل إلى اتفاق فني مع جميع الأطراف المعنية يقضي بمحاصصة الغاز المستخرج، فيما ستعود الإيرادات المالية من ذلك إلى خزانة السلطة التي ستخصص جزءاً منها لدعم اقتصاد غزة”.
ويملك صندوق الاستثمار الفلسطيني حصة تبلغ 27 في المئة من حقل “غزة مارين”، وبحسب المعلومات الواردة، ستوزع بقية الكمية على الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية بنسبة 45 في المئة، فيما ستحصل إسرائيل على 28 في المئة ومن المتوقع أن تصدر الجزء الأكبر من حصتها إلى أوروبا.
إسرائيل مضطرة
في الواقع وافقت إسرائيل على ذلك الاتفاق بعدما ترتبت عليها التزامات كبيرة في شأن توريد الغاز إلى أوروبا، إذ وقعت تل أبيب ومصر مع الاتحاد الأوروبي في يونيو الماضي على اتفاق للتزويد بالغاز لمدة ثلاثة أعوام.
وبحسب عضو اللجنة التنفيذية لـ”منظمة التحرير” الفلسطينية أحمد مجدلاني فإن ضغوطاً سياسية مارستها دول أوروبا على إسرائيل لاستخراج غاز غزة لتلبية حاجاتها من هذا الوقود، كما لعبت مصر دوراً مهماً في التوصل إلى الاتفاق الفني مع جميع الأطراف بما فيها “حماس”.
وعلى رغم موافقة إسرائيل على استخراج الغاز من حقل “غزة مارين”، إلا أنها ما زالت تتخوف من عودة الإيرادات الفلسطينية إلى أيدي “حماس” التي تسيطر على القطاع، وقال القائد الإسرائيلي موشيه يعلون الذي شغل سابقاً منصب وزير الجيش إن بلاده ما زالت قلقة مع احتمال أن تستفيد “حماس” من عائدات الغاز وتوظفها في شن هجمات ضد منشآت إسرائيلية، لذلك يجب ضمان عدم حصول ذلك.
“حماس” ترغب في حصة
في الواقع تبدو حركة “حماس” تترقب كل هذه التحركات والمفاوضات ولا ترغب في أن تخرج خالية الوفاض، وللفت الانتباه إليها أقامت في ميناء غزة قبالة حقل الغاز فعالية تطالب بحقها وافتتحت لوحة جدارية كتب عليها “غازنا حقنا” باللغتين العربية والإنجليزية.
ومن جانب آخر أكد عضو المكتب السياسي في “حماس” موسى أبو مرزوق أنه “يجب أن تكون غزة حاضرة في أي تفاهمات حول حقل الغاز الموجود بالقرب من شواطئها وإذا كانت غزة مضطرة إلى استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل لمحطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، فلا يجب أن نقف متفرجين وثرواتنا الطبيعية تذهب بعيداً”.
لكن حركة “فتح” ردت على لسان عضو اللجنة المركزية فيها حسين الشيخ الذي قال “في العادة الاتفاقات توقع بين الدول وليس التنظيمات الحزبية وفلسطين عضو في منتدى غاز المتوسط وللسلطة أحقية قانونية في إجراء التفاهمات المناسبة من دون استشارة الأحزاب”.
وقال الناطق باسم حماس حازم قاسم: “لن نسمح لإسرائيل أن تجعل من قضية غاز غزة مادة لابتزاز المواقف، ولسنا بحاجة لإذن من أحد للتصرف في هذا الغاز، والجهة الوحيدة المخولة بالتصرف في هذه الثروات هي حكومة وطنية منتخبة من الشعب الفلسطيني”.