fbpx
تقاريرسلايدر

الزلازل.. عامل مشترك في تحول سیاسات الدول

سارة أبو زيد
سارة أبو زيد

تقرير: سارة أبو زيد
تدقيق: أحمد علي

 

 

دول كثیرة إذا تتبعنا تاریخھا نجد تحول شامل للدولة وإذا أخذنا في تتبع خیوط التحول نجد بدایة الخیط زلزال.

دائمًا مانتحدث عما تحدثه الزلازل من فقدان الأرواح وسقوط المباني مما یزُید في داخلنا السخط على تلك القوة الأرضیة المدمرة لكن إذا نظرنا إلى ھذه القوة بعمق بعد سنوات من حدوثھا، یمكن أن ندرك الخیر التي جلبته ھذه القوة إلى أفراد الدولة التي وقع فیھا أو الشر الذي منعته عنھم بسبب تغیر سیاسات أو سقوط حكام.

زلزال مرمرة 1999

– زلزال مرمرة 1999 بین أداء السلطة وغضب الشعب:

وقع زلزال مرمرة في مدینة اسطنبول بتركیا بقوة 7.6 ریختر عام 1999، ثواني قلیلة من إھتزاز الأرض أسفر عن دمار ظلت آثاره باقیة حتى یومنا ھذا، الأھالي و الأحباب تحت الأنقاض منتظرین السلطة التي تحكم بلد تقع تحت خط الزلازل لتنفیذ خطة الإنقاذ، سرعان ما یفقدوا الأمل، لنجد شعب على أراضى منكوبًا؛ یتساءل كیف لیس للمسؤولین خطة للتعامل مع ھذه الكارثة، أكثر ما فعلته الحكومة ھو تصریحات أن كل شئ تحت السیطرة، مع تبریر بطئ استجابة الحكومة بأن الطرق مسدودة لذلك لا تستطیع فرق الإنقاذ التحرك بسھولة، ھل كان من الممكن أن یتغیر ھذا المشھد الذي وصل إلیه ھؤلاءالمواطنین؟ تركیا لا یمر علیھا 30 سنة حتى تجد نفسھا واقعة تحت الأنقاض بسبب زلزال لذلك من الطبیعي أن تكون ھناك القوانین الصارمة في البناء بحیث تكون المباني مقاومة للزلازل.

عدم الإدارة و التخطیط والتنفیذ لعملیة الإنقاذ جعل الشعب التركي یثور على السلطة الحاكمة وقتھا برئاسة الحزب الدیمقراطي یلیه الحزب الجمھوري، على الصدد رُفعت دعاوي قضائیة ضد 170 موظفاً بعد عاماً من الزلزال بتھمة الإھمال في أداء الواجب وما یقرب من 2100 دعوى قضائیة ضد مقاولو ھذه المباني.

ھذا الغضب أیضا كان جزء منھ بسبب تبعات الزلزال حیث انكمش الإقتصاد التركي بنسبة 3.6% في تلك السنة وزادت البطالة و انتھت بأزمة اقتصادیة كبیرة عام 2001 كانت لأسباب عدة من بینھا الزلزال، الأمر الذي كان له دور فعال في نجاح حزب العدالة والتنمیة للوصول إلى السلطة على رأسه رجب طيب أردوغان عام 2002.

– تحول سیاسي تركي بعد زلزال مرمرة:

كتلة من الأزمات المتتالیة بدأ نموھا بزلزال مرمرة ینتج عنھا تغیر جذري في سیاسة الدولة بعد إعطاء فرصة للحزب الإسلامي في الإنتخابات التشریعیة حزب العدالة والتنمیة بعد السلطة العلمانیة.

أعلن أردوغان أنه سیحافظ على أسس النظام الجمھوري في إطار القیم الإسلامیة ووعد بالنھوض بالدولة، بالفعل استطاع أن ینعش إقتصاد البلاد الذي انھار بعد أزمة 2001 حیث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي، ارتفع دخل الفرد السنوي من3500 دولار عام 2002 إلى 17468 ألف دولار وانخفضت نسبة البطالة، كل ھذه الإنجازات زادت ثقة الشعب بأردوغان لذلك اختاره الشعب في ثلاثة إنتخابات متتالیة.

النمو التركي الملحوظ استمر، إلا أن واجھت الحكومة التركیة أزمة إقتصادیة كبیرة 2018 أدت إلى ھبوط اللیرة لـ 40%، إرتفاع الدین الخارجي للدولة، وإرتفاع معدلات التضخم لیصل إلى 25%.

مع اقتراب الإنتخابات التركیة لعام 2023 إتبع أردوغان بعض السیاسات من أجل زیادة شعبیته بعد تراجعھا الواضح في الأعوام الأخیرة، من ھذه السیاسات خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة لأكثر من مرة على الرغم من إرتفاع التضخم، لیصبح ھذا القرار حدیث بین خبراء الإقتصاد لمخالفته لقوانین الإقتصاد، لكن أردوغان فضل أن یتبع سیاسة منفردة لیكملھا بزیادة في المرتبات بحوالي 50% لكي یعوض أثر التضخم ومن ثم تزید شعبیته.

إتبع أردوغان لعدة سنوات سیاسة فتح الأبواب للاجئین خاصة السوریین، لكن في ظل الأوضاع الإقتصادیة المتدھورة لن یحتمل الشعب وجود كل ھذا العدد من اللاجئین، انتھزت المعارضة التركیة ھذه الفرصة لتكون كرت ضغط على أردوغان بإعلانھا عن خطة لخروج اللاجئین إذا استلموا الحكم، لذلك قرر أردوغان تغییر سیاسته والتخلص من اللاجئین لكي لا یثور الشعب.

بالإضافة إلى ھذا، من أھم الخطط التي وضعھا ھي محاربة الكرد المقیمین على الحدود في سوریة الذین یشكلون خطر على الأمن القومي التركي و بالتالي تزداد قوته الإنتخابیة، لم یجد أردوغان حل لتنفیذ خططه إلا بخوض حرب عسكریة مباشرة ضد الكرد، لذلك فكر أردوغان بالتصالح مع بشار الأسد لكي یتعاونوا، وبالتالي یحقق ھدفه فيخوض حرب ضد الكرد لكن المفاوضات كانت مازالت ساریة حتى وقع ما لم یكن في خطة أردوغان.

زلزال تركيا 2023

– زلزال 2023 یغیر الخطط الانتخابیة لأردوغان:

بینما ینشغل أردوغان في خطته و سیاساته الإنتخابیة التي ستعقد في شھر مایو، تھتز أراضي جنوب تركیا بسبب زلزال قوته 7.7 ریختر، بذلك تتغیر خطط أردوغان الإنتخابیة لیدرك جیدًا أن شعبیته وفوزه في الإنتخابات مبنیة على الرأي العام لأداء الحكومة لإدارة ھذه الكارثة، وبذلك یغیر الزلزال خطط أردوغان في محاربة الكرد والتركیز في الكارثة، ولكن تكلم الإعلام عن إخفاقات كثیرة في التعامل مع الزلزال، العدید من ھذه الإخفاقات مشابھًا جدا لإخفاقات 1999.

من المشاھد المشابھة ھو إعتذار أردوغان بسبب التأخر في أعمال الإغاثة بسببصعوبة الطقس بالإضافة إلى التساؤلات حول المباني الھشة على الرغم من فرض معاییر للبناء أكثر صرامة بعد 1999 تھدف لمقاومة الزلازل ولكن عدم تنفیذ ھذه المعاییر یؤدي إلى نفس مشھد 1999.

في النھایة مھما بلغ نجاح الحكومة أو فشلھا في التعامل مع الأزمة نجد مشھدین، المشھد الأول یصف عمل الحكومة الجاد للتصدي للأزمة ونجاحاتھا في دعم المواطنین مع معاقبة من لھم علاقة بإشتداد الأزمة من مقاولین، المشھد الثاني ھو إعلام المعارضة یظھر فشل الحكومة في السیطرة على الأوضاع ویلقي اللوم علیه بسبب المباني الھشة غیر مقاومة للزلازل وبالتالي مصیر الإنتخابات و السیاسات القادمة لتركیا یحدده بنسبة كبیرة في النھایة الرأي الأكثر تأثیرًا على الشعب بخصوص الزلزال نیابة عن ملف اللاجئین والكرد.

زلزال المكسیك 1985

– زلزال المكسیك یفضح السلطة:

ضرب الزلزال بقوة 8.1 ریختر مما تسبب في وفاة أكثر من 5000 شخص، ولكن ھناك جدل حول عدد الضحایا لأن الرئیس میغیل أمر بحجب إخباري، على الرغم من حدة الأزمة رفضت الحكومة أي مساعدات خارجیة بالتحدید من الولایات المتحدة كما انتشرت معلومات بمساعدة الجیش أصحاب المصانع في إستعادة آلاتھم بدلاً من نقل جثث عمال المصانع بالإضافة إلى أن مساعدة المواطنین كان على حسب مكانة الفرد وإنتمائه للحزب الحاكم.

نتج عن ھذا فرصة من ذھب للمعارضین السیاسیین، بالتالي ساعدوا الذین ترُكوا بلا مأوى واتحدت المنظمات المعارضة ودُعمت من وسائل الإعلام مطالبین أن تكون عملیة إعادة الإعمار أكثر دیموقراطیة مع إشراك المنظمات السیاسیة غیر التابعة للحزب الحاكم.

في أكتوبر 1986 زادة الإحتجاجات ودعت إلى إقالة رئیس أمانة التنمیة الحضاریة والبیئة لیحل محله مانویل كاماتشو ولكن على الرغم من سیاسته في تقویة العلاقات بین الحزب و المنظمات والإتحاد من أجل التعامل مع ھذا التحدي، إلا أن ھذا زاد تأثیر سلبي على سمعة الحزب الحاكم حیث أدرك الشعب بوجود مجتمع مدني قابل للتعامل والحكم في المكسیك، بالتالي فقد الحزب سیطرته بعد أن أعُید تشكیل ھیكل حكومة المدینة، تضررت سمعة الحزب أكثر عندما اتضح أن الحكومة تقلل عمدًا من عدد ضحایا الزلزال و زاد الوضع سوء بسبب إلقاء اللوم على التراخي في تطبیق قوانین البناء، بعد فترة وجیزة بدأ الحزب الحاكم في مواجھة تحدیات خطیرة في صنادیق الإقتراع، مما أدى إلى محاولات لتزویر الإنتخابات إلا أن خسروا رئاسة البلاد عام 2000.

زلزال كانتو الیاباني 1923

– التعلم من زلزال كانتو الیاباني 1923:

دُمرت طوكیو ویوكوھاما بعد زلزال كانتو الیاباني عام 1923 الذي بلغ قوته 7.9 ریختر مما أسفر عن مقتل 100،000 شخص.

ھذه التجربة العنیفة جعلت الیابان تعیش مرحلة صعبة على جمیع النواحي الإقتصادیة والسیاسیة، خاصة مدینة طوكیو التي مُحیت تمامًا، ھذه الكارثة أدت إلى مھاجمة الكوریین المقیمین بالمدینة بعد أن اتھُموا بإستغلال الأزمة من أجل نھب الممتلكات وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ واستدعت الجیش.

زلزال 1923 كان بمثابة درس للیابان لكي تتعایش مع الزلازل بتطبیق قوانین صارمة على الأبنیة، منذ ھذا الوقت تتبنى الیابان معاییر صارمة للبناء مثل القانون الذي یحدد متطلبات البناء لكي تكون مقاومة للزلازل وھي الأكثر تقدمًا وأعلى تكلفة، أیضًا ناطحات السحاب الأكثر مقاومة للھزات الأرضیة في العالم بالتالي جمیع الزلازل التي جاءت بعد 1923 لم تكن بھذا القدر من التدمیر حتى زلزال 2011 كان ضحایاه 18000 ولیس 100000 على الرغم من قوته التي بلغت 9 ریختر، إذا لم تكن الیابان مرنة لتغییر سیاسات البناء بعد زلزال 1923 وبذل الجھود واستعانت الخبراء من أجل التعامل السلیم مع ھذه الكوارث لكان إلتحق بھا العدید من الكوارث بعد كل ھزة أرضية شھدتھا.

الدرس الذي تعلمته الیابان من زلزال كانتو بمثابة قوة الخیر التي أنقذت آلاف بعدھا، من تحول كامل في سیاسات البناء في الیابان إلى سقوط حكومة في المكسیك إلى تحول و نمو شامل على جمیع النواحي في تركیا كما كان ظاھر لعدة سنوات حتى أن فضيحة كارثة 2023 الفساد التي ادعت السلطة أنھا تخلصت منه خاصة ما یتعلق بقوانین البناء وعدم استعدادھا للتعامل مع كارثة كانت سبب رئیسي في تولیھا الحكم كل ھذا سببه عامل مشترك ھو زلزال، بالتالي الزلازل لھا تأثیر على المستقبل البعید للدول وسیاساتھا.

تأثیر یمكن أن یكون بالسلب أو بالإیجاب، مترتب على عوامل كثیرة منھا دور السلطة قبل وبعد الزلزال، والرأي العام للشعب، فإذا أراد شعب أن یحُدث نقطة تحول في دولته أو أرادت جھة سیاسیة أن تزُید من شعبیتھا فلا بد أن یكون نظرة ھؤلاء للزلزال بمثابة قوة لتغییر الحاضر وھو المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى