fbpx
مقالات

د. علاء جراد يكتب: البيروقراطية اختراع بريطاني

لا توجد بيئة او دولة مثالية في كل شيء، وبحكم عملي سافرت وعشت في عدة دول توجد فيها درجات مختلفة من البيروقراطية، ولكن أكثر هذه الدول تمتعاً بالبيروقراطية هي بريطانيا. فعلى الرغم أن البعض قد يعتقد انها دولة مثالية ومتقدمة، لكن الحقيقة أن المعاملات لا تخلو من البيروقراطية والبطء.

البيروقراطية في بريطانيا تشكل جزءاً أساسياً من البيئة الإدارية والتنظيمية، وهي ممنهجة ومتغلغلة بعمق، حيث تؤثر على مختلف جوانب الحياة اليومية سواء في القطاع الحكومي أو الخاص. إضافة الي بطء شديد في الوقت اللازم للإجراءات بصفة عامة.

وقد ارتبطت البيروقراطية في بريطانيا بخسائر مالية كبيرة وتأثيرات سلبية عبر مختلف القطاعات، فعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بترتيبات الحدود الجمركية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أفاد مكتب التدقيق الوطني أن الحكومة البريطانية تتوقع إنفاق ما لا يقل عن 4.7 مليار جنيه إسترليني (6 مليارات دولار) على ترتيبات الحدود بعد الخروج، وقد تسبب التأخير في وضع قواعد جديدة في حالة من عدم اليقين للشركات، وتكبد تكاليف إضافية، مما أدى الى ضخامة فاتورة الخروج.

وقد أفاد مرصد سياسة التجارة في المملكة المتحدة (UKTPO) أن الشركات تواجه صعوبات كبيرة من بينها البيروقراطية، التكاليف، فضلاً عن قضايا الشحن والنقل. وقد أدت هذه التحديات إلى نقص المنتجات وزيادة الأسعار للمستهلكين.

أما في قطاع الرعاية الصحية، فقد تم تصنيف البيروقراطية على أنها عبء ثقيل على موظفين الخطوط الأمامية، وأنها تنتقص من رعاية المرضى وفرص الابتكار. كما يواجه المرضى فترات انتظار طويلة قبل الحصول على موعد طبي، ويُطلب منهم ملء عدد كبير من الاستمارات، حتى أن البعض توافيه المنية قبل أن يصله الدور. أما في قطاع البحث العلمي فقد أقرت الحكومة بأن البيروقراطية تعوق عمل الباحثين وفرقهم، مما يؤثر على الإنتاجية الإجمالية.

والجهود جارية لمعالجة هذه القضايا لضمان عدم إعاقة التقدم البحثي.

في قطاع الأعمال، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة تواجه أحياناً صعوبات كبيرة للحصول على قروض أو تمويل بسبب الإجراءات البيروقراطية المتعددة التي تتطلبها البنوك والمؤسسات المالية، مما قد يعرقل نموها وتوسعها، ويؤدي إلى تراجع مستويات الرضا لدى الأفراد والشركات على حد سواء، مما يبرز الحاجة إلى إيجاد حلول جديدة لتقليل هذه المعوقات وتعزيز الكفاءة والشفافية في الإجراءات المختلفة.

تحديات الدراسة في بريطانيا:

التحدي الأكبر يواجهه الطلاب الدوليين، حيث يمثل الحصول على تأشيرة الدراسة خطوة رئيسية وأحياناً معقدة في مسيرة الطالب. فالإجراءات تتطلب تقديم مجموعة كبيرة من الوثائق، مثل إثبات القبول الجامعي، وإثبات القدرة المالية على تحمل تكاليف الدراسة والمعيشة، و إجراء مقابلة شخصية. إضافةً إلى ذلك، يجب أن يجتاز الطالب بعض الفحوصات الصحية، مثل اختبار السل لبعض الدول، إلى جانب دفع رسوم التأشيرة، وهي مرتفعة مقارنة بدول أخرى.

وقد تستغرق إجراءات مراجعة الطلبات والمعاملات وقتاً قد يصل إلى شهور، مما قد يؤثر على توقيت وصول الطالب إلى بريطانيا وبدء دراسته في الوقت المناسب. كذلك الحصول على سكن من أكبر التحديات للطلاب الدوليين، حيث أن العديد من شركات التأجير تتطلب وجود “ضامن” محلي، وهو شخص يعيش في بريطانيا ويتحمل مسؤولية دفع الإيجار إذا تعثر الطالب عن الدفع، ويعتبر هذا الشرط عائقاً للكثير من الطلاب الذين لا يعرفون أحداً في بريطانيا للقيام بهذا الدور، مما يضطر الطلاب أحياناً لدفع مبالغ كبيرة كوديعة مسبقة، أو اللجوء إلى وكالات تأجير خاصة تتقاضى رسوم مرتفعة.

هذه التعقيدات تجعل تجربة الحصول على سكن مناسب تحدياً كبيراً، وتزيد من الضغوط النفسية والمادية على الطالب الدولي.

أما بالنسبة للرعاية الصحية، فعلى الرغم من أن نظام “الخدمات الصحية الوطنية” (NHS) يتيح للطلاب الدوليين حق الوصول إلى الرعاية الصحية، إلا أن هناك خطوات مليئة بالبيروقراطية يجب اتباعها، فعند وصولهم إلى بريطانيا يتعين على الطلاب التسجيل في عيادة طبيب عام (GP) ليتمكنوا من الوصول إلى الرعاية الصحية.

وقد تستغرق هذه العملية وقتاً طويلاً، حيث لا توجد شواغر للتسجيل، خاصة في المدن التي تواجه ازدحاماً في الخدمات الصحية.

وغالباً يواجه الطلاب صعوبة في فهم هذه الإجراءات، كما انه لا يتم شرحها لهم، مما قد يعوق وصولهم إلى الخدمات الطبية في الوقت المناسب.

أخيراً يمكن القول أنه لا توجد دولة مثالية في كل شيء فهذه بعض الأمثلة البسيطة من الدولة التي كانت في وقت ما “الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى