“إعصار الملح”.. قراصنة الصين يظهرون هشاشة نظام الاتصالات الأمريكي
وفق صحيفة “نيويورك تايمز” استدعى البيت الأبيض، قادة كبرى شركات الاتصالات الأمريكية لعقد اجتماع، لمناقشة مشكلة أمنية أثارت قلق الحكومة، تتعلق بكيفية طرد قراصنة صينيين اخترقوا عمق شبكات الاتصالات الوطنية الأمريكية.
ورغم أن بيان البيت الأبيض الصادر مساء الجمعة، لم يتضمن أي تفاصيل بشأن الاختراق، أو التوترات المحيطة بكيفية التعامل معه، فقد أشار إلى أن الاجتماع ترأسه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ونائبته آن نيوبيرجر، التي تشرف على قضايا الأمن السيبراني والتقنيات الناشئة.
وذكرت الصحيفة الأمريكية في تقرير، الجمعة، أن هذا الاجتماع جاء بعد أسابيع من تصاعد القلق إزاء ما كشفه مسؤولون عن هذا الاختراق، إذ يعتقد الآن أن قراصنة من مجموعة تُعرف باسم “إعصار الملح” والتي ترتبط بشكل وثيق بالصين، كانوا متخفين داخل شبكات أكبر شركات الاتصالات الأمريكية طيلة أكثر من عام دون رصدهم.
ويستند التقرير إلى مقابلات أجرتها الصحيفة مع أكثر من 12 مسؤول أمركي من قطاع الاتصالات، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم، بسبب حساسية التقييمات الاستخباراتية المتعلقة بالاختراق.
وتبين أن القراصنة تمكنوا من الحصول على قائمة شبه كاملة بأرقام الهواتف، التي تراقبها وزارة العدل ضمن نظامها “للتنصت القانوني”، وهو النظام الذي يجيز التنصت على الأشخاص المشتبه بهم في ارتكاب جرائم أو أنشطة تجسس، بموجب أمر قضائي.
وفي حين لا يعتقد المسؤولون أن الصينيين استمعوا إلى تلك المكالمات، لكن القراصنة ربما استطاعوا دمج أرقام الهواتف مع بيانات تحديد المواقع الجغرافية، ما سمح لهم برسم صورة استخباراتية مفصلة عن الأشخاص الذين تجري مراقبتهم.
وأكد المسؤولون أن هذا الاختراق أتاح للصين على الأرجح “خارطة طريق” تساعدها على تحديد جواسيسها، الذين تمكنت الولايات المتحدة من كشفهم، وأولئك الذين لم يكتشفوا بعد.
وفي البداية، اعتقد المسؤولون أن نطاق الاختراق كان محصوراً في المنطقة المحيطة بواشنطن، لكنهم اكتشفوا أدلة على أن الصين تمكنت من الوصول إلى شبكات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مستغلة نقاط ضعف، أو مداخل قديمة في شبكات الهواتف المحمولة.
كما كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن تعرض شبكات مجموعة من مزودي خدمات الإنترنت في الولايات المتحدة لـ”اختراق إلكتروني” مرتبط بالحكومة الصينية.
ووفقاً للصحيفة، يتضح الآن أن الاختراق تجاوز شركات الهاتف إلى مزودي خدمات الإنترنت، ما يمنح الصين قدرة على قراءة بعض رسائل البريد الإلكتروني.
ومع ذلك، أكد المسؤولون أن بعض التطبيقات المشفرة، مثل واتساب وسيجنال، لم تُخترق، كما أن الرسائل المرسلة ضمن الشبكة الداخلية لشركة أبل كانت آمنة.
ومع أن اختراق الصين ربما يكون أدى إلى تعرض بعض مكالمات ورسائل البريد الإلكتروني للأمريكيين للخطر، فإن أنظمة التشفير أثبتت فاعليتها في التصدي لمحاولات الوصول غير المصرح بها.
عملية استهداف دقيقة
أدى الكشف عن عملية الاستهداف الدقيقة لمسؤولي الأمن القومي، وبعض القادة السياسيين، بمن فيهم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب ونائب الرئيس المنتخب جي دي فانس، إلى استدعاء مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI ومسؤولين آخرين، أن قراصنة مجموعة “إعصار الملح” تمكنوا من التغلغل بعمق في النظام، لدرجة أنهم كانوا قادرين على التنصت على بعض المحادثات، وقراءة بعض الرسائل النصية غير المشفرة.
من جانبه، وصف السيناتور الديمقراطي من ولاية فرجينيا مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، مستوى التعقيد في الاختراق بأنه “مذهل”.
وأضاف وارنر أن أكثر ما يثير قلقه وهو ما سيطر على مناقشات الاجتماع في غرفة العمليات بالبيت الأبيض، هو الاستنتاج القائل بأن “الباب ما زال مفتوحاً على مصراعيه”.
وبحسب “نيويورك تايمز”، يعتمد نظام الاتصالات في الولايات المتحدة على مجموعة غير متجانسة من الأنظمة القديمة، ما جعل اختراق الصين لأكثر من 10 شركات اتصالات أمراً أسهل بكثير.
وخلال الاجتماع في البيت الأبيض، أوضح كبار مسؤولي الاستخبارات والأمن القومي الأمريكي أن شركات الاتصالات، رغم اعتمادها على تكنولوجيا قديمة، يجب أن تجد طريقة دائمة لمنع عملاء بكين من اختراق الأنظمة.
ويُعزى جزء كبير من المشكلة إلى أن أجزاء حيوية من نظام الاتصالات الأمريكي قديمة للغاية، بحيث لا يمكن ترقيتها لتواكب الحماية الأمنية السيبرانية الحديثة.
حيث يعود تاريخ بعض هذه الأنظمة إلى أواخر السبعينيات أو أوائل الثمانينيات، عندما كانت خطوط الهواتف الأرضية هي المهيمنة على الشبكات، وليس الهواتف المحمولة.
وأشار أحد المشاركين في الاجتماع إلى أن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو “استئصال واستبدال أقسام كاملة من الشبكات”، وهو إجراء كانت الشركات مترددة في الاستثمار فيه.
وشارك في الاجتماع قادة كبار بقطاع الاتصالات، من بينهم الرئيس التنفيذي لشركة Verizon، هانز فيستبرج، والرئيس التنفيذي لشركة AT&T، جون تي ستانكي.
أما الرئيس التنفيذي لشركة T-Mobile، مايك سيفرت، الذي شكك في البداية بأن شركته تعرضت للاختراق من قبل الصينيين، لكنه اكتشف لاحقاً أنها كانت مستهدفة بالفعل، فقد اختار إرسال نائب عنه لحضور الاجتماع.
على من يقع اللوم؟
يأتي هذا الاجتماع وسط خلافات متزايدة بشأن الجهة التي تستحق اللوم عن هذا الاختراق، هل هي شركات الاتصالات، أم الجهات التنظيمية، أم وكالات الاستخبارات الأمريكية؛ خاصة أن مستوى التعقيد والعمق في هذا الاختراق أذهل حتى خبراء مخضرمين شهدوا عقوداً من الصراعات السيبرانية بين الولايات المتحدة، ودول مثل الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية.
وكشف محققون أن بعض أنظمة شركات الاتصالات لم تكن محمية حتى بإجراءات “التحقق من الهوية متعددة العوامل”، وهي التقنية التي أصبحت جزءاً أساسياً من حياة المستخدمين اليومية.
على سبيل المثال، يعتمد المستهلكون على فحص الوجه عبر الهواتف، أو إدخال رموز نصية مكونة من 6 أرقام للوصول إلى حساباتهم المالية، أو البريد الإلكتروني.
، وفقاً لما صرح به مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، وصف الاختراق بأنه “شديد الخطورة”، لدرجة أن الرئيس جو بايدن ناقش الأمر مباشرة مع نظيره الصيني شي جين بينج خلال اجتماعهما في بيرو الأسبوع الماضي.
وأصبح من الواضح أن عمليات الاختراق الصينية انتقلت من وحدات الجيش إلى أجهزة الاستخبارات التي تعمل بسرية أكبر.