لا ياصديقي ليس مؤشرا لسوق البورصة ولا لسوق العقارات أو ماله علاقة بأي آداة اقتصادية، إنه مؤشر جديد لقياس وعي وثقافة وأخلاق ورقي المجتمع.
سوق كأي سوق في أي مكان في مصر به العديد من المحلات أو المولات التجارية، موجود بجوار مدينة الرحاب في القاهرة الجديدة، لكن هذه المرة تم إقحام المكان وتصنيفه من قبل بعض “مدعي التأثير” على وسائل التواصل الاجتماعي، ليتم وصفه بأنه منطقة فاجرة ماجنة، ثم يقوم رواد وزائري السوق بالرد على الاتهام ووصف هؤلاء بأنهم رجعيين ومتخلفين عن الحضارة والشياكة، ثم تتسع الدائرة ويصبح الفريقين أكثر عددا وتزيد الاتهامات، ثم يتسع التصنيف المجتمعي والأخلاقي إلى تصنيف ديني، وهنا لنا وقفة.
نادت بعض الأقلام الحرة والواعية والمثقفة أكثر من مرة، أن هناك مؤشرا خطراً، لابد أن ننتبه له ونحاول السيطرة لكي لا تفلت زمام الأمور، خاصة وأنه يتعلق بجيل الصغار، الذي تركتهم فريسة سهلة لوسائل التواصل الاجتماعي يصبون في أذهانهم ووعيهم وأفكارهم ما يشاؤون دون تدخل أي نوع من الرقابة، وهذه هي النتيجة.
منطقة عادية وأقل من العادية، لمجرد أن هناك بعض التصرفات الفردية لم تعجب شخصا آخر، فتم تعميم السيء والشر على كل زائري السوق وبالتالي، زاد العند والكبر لتصبح التصرفات بدلا من فردية إلى جماعية، ويصبح المهاجمون من رأي شخصي لأحدهم، إلى آراء جماعية من فئة “بإسم الدين”.
تركنا صغارنا يمرحون – سيبيوهم يلعبوا التيك التوك ده مسلي – وأصبحوا يرددون كل العبارات بدون أن يمر على فلتر العقل، ويتشبهون بمجتمعات لا تشبهنا من بعيد ولا من قريب، ويدخلون في تحديات مدمرة بعضها يؤدي للوفاة وبعضها يأتي بمصائب لا حصر لها.
تركنا صغارنا يستلهمون دينهم من أشخاص “أدعوا باطلا” أنهم شيوخا وأصحاب علم وفير، سموا أنفسهم بالمؤثرين وهم كذلك بالفعل، لأنهم نجحوا في خلق جيل كامل يحنث قسما بالله العظيم، وهم يقولون كذبا ويفعلون زورا.
وها قد أتت اللحظة الفارقة التي تقابل فيها الفريقين في مبارزة إفتراضية على وسائل التواصل؛
فهل سننتظر مبارزة حقيقية ومشاجرات في عدة مناطق ونرى ضحايا حقيقيين، وبالمناسبة حدث بالفعل مشاجرة في هذا السوق.
لا نريد جيلا متطرفا في فرض آراءه، سواء كنت مع أو ضد أي تصرف، ولكن مؤشر السوق الشرقي وماحدث ومازال مستمرا فيه حتى الآن هو إنذار خطير يستدعي التدخل السريع النافذ.
يستدعي من الدولة خلق قوانين بمنتهى الجدية وبسرعة شديدة لإنقاذ مايمكن إنقاذه.
لا أستطيع نسيان مشهد في فيلم للعبقري وحيد حامد بعنوان “دم الغزال” عندما أصبح محمود عبد المغني طبال الراقصة هو قائد فصيل ديني متطرف ينفذ شرع الله بالقوة، وعندما قررت قوات الشرطة القبض عليه، بعد إطلاق نار كثيف بين الجانبين في الفيلم، كانت النتيجة هروب الإرهابي الطبال، وموت مواطنة بسيطة لا دخل لها بأي صراع.