fbpx
مقالات

د. أحمد شندي يكتب: في لحظة يأس

في لحظة اليأس، يغمرك هدوء غريب لا تدري من أين أتى، خاصة إذا كنت ممن يعيشون حياتهم في حركة دائمة وصخب لا ينقطع. فجأة تشعر بالفرق، وتشعر به بعمق.

في لحظة اليأس، تعود إليك الذكريات، يداهمك الحنين لمن غابوا: للأهل الذين كانوا سندًا، للأصدقاء الذين شاركوك ضحكاتك، وللأبناء الذين كبروا وغادروا ليبدأوا رحلتهم الخاصة بعيدًا عنك، لا يعودون إلا عندما يفتقدون ذاك الحب الخالص الذي لا يجدونه إلا في دفء قلبك.

في لحظة اليأس، تتلاشى الفروق بين الفقر والغنى، يصبح المال مجرد أداة لا تفرق كثيرًا إن كان لديك القليل أو الكثير.

في تلك اللحظة، تدرك أن السعادة لا تُشترى. لا تجدها في السفر ولا في التسوق، ولا حتى في جلسات الأصدقاء، ولا يكفيك كوب قهوتك المفضل ليعيد إليك بهجتك المعتادة.

في لحظة اليأس، تميز بوضوح من يسأل عنك لنفسه، ومن يسأل عنك لأجلك. تكتشف من يحبك لشخصك الحقيقي، ومن يحبك فقط ليُرضي احتياجاته هو.

قبل يومين، التقيت بصديق عزيز على قلبي. بعد السلام وتبادل التحايا وأخبار الحياة، جلس ليحدثني عن أحواله وقال بصدق: “لا أتحدث عن ظروفي مع أحد سواك.” ثم بدأ يروي لي بعضًا مما يعانيه من أوجاع ومشكلات، وكيف أن اليأس يطغى على حياته.

فقلت له: “يا صديقي العزيز، استعن بالله ولا تعجز. لا تجعل أخطاء الماضي تحكم حاضرك ومستقبلك، بل خذ منها درسًا يدفعك للتغيير نحو الأفضل. الزمن سيجعل كل شيء يمر، وستصبح هذه الأوجاع مجرد ذكرى بعيدة. فقط ثق أن مع العسر يُسرًا.”

لكنه قاطعني قائلاً: “كلامك سهل! أنت لم تعش مثل معاناتي. تقول إن كل شيء سيمضي، لكني في قلب الألم الآن، ولا أرى أملًا في زواله.”

ابتسمت وقلت له: “أفهم شعورك، ولكن ثق أن الله يختبرنا لنصبر ونقترب منه أكثر. ما تمر به الآن سيُمحى مع الوقت، وستجد نفسك أقوى بعده. تذكر قول رسول الله ﷺ: (ما أصاب المؤمن من هم ولا غم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).”

ثم أضفت: “الله يغلق أبوابًا ليجعلنا نلتفت إلى أبواب أخرى أفضل وأوسع. المشكلة أن كثيرًا منا يظل ينظر إلى الباب المغلق، فيضيع فرصة رؤية ما فتح أمامه.”

خلاصة القول:

الحياة الدنيا لا تصفو من الأوجاع، لكنها ليست مكانًا لليأس. تقلبات الحياة تحتاج إلى صبر وثبات، وعلاقة قوية بالله سبحانه وتعالى. ليس هناك ما يريح القلب أكثر من حسن الظن بالله، فهو الذي يفتح الأبواب المغلقة، ويجعل الألم وسيلة لرفع الدرجات وتكفير السيئات.

إن الأوجاع، رغم قسوتها، تدفعنا للبحث عن معاني القوة والأمل. إذا كان لديك ذرة إيمان وبصيص أمل، ستجد طريقك. اليأس ليس خيارًا، والمحن ليست نهاية الطريق.

حسن الظن بالله هو الدرع الواقي من السقوط في دائرة اليأس. برحمة الله الواسعة، وبإدراك أن كل منع أو عطاء هو لحكمة إلهية، نعيش الطمأنينة.

بالصبر والإيمان، تتحول المحن إلى منح، والآلام إلى فرص. كما قال النبي ﷺ: (عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير: إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرًا له.)

نحن الذين قَبِلنا حمل الأمانة حين تخلّت عنها السماوات والأرض والجبال، تلك الأمانة التي لا ينهض بها الضعفاء المتخاذلون، بل يحملها الأقوياء الصابرون، المحسنون الظن بربهم، الموقنون بأن الخير دائمًا في ما يقدّره الله. وقد علم الله أننا أهلٌ لهذه المسؤولية، إذ وهبنا من القوة والطاقة ما يجعلنا قادرين على أدائها، إذا ما أحسنا توظيفها في مواضعها، واعتمدنا عليه حق الاعتماد.

إن الحياة لا تُبنى على التمنيات فقط، بل تتحقق بالسعي والعمل، مقرونَين بالتوكل على الله. وبعد ذلك، كل ما يصيبنا، سواء بدا لنا خيرًا أم شرًّا، فهو في حقيقته خيرٌ محض، لأن الله العليم الخبير يعلم ما لا نعلم، ويختار لنا ما هو أصلح لنا من أنفسنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى