قتل متحف تاريخ التعليم المصري
إعداد: د. وفاء شعراوي
تاريخ المتحف
أنشئ متحف التعليم في عام 1937 في عهد الوزير علي زكي العرابي بمناسبة الاحتفال بالعيد المئوي لإنشاء ديوان المدارس في عام 1837 وكان يشتمل على عدد كبير من أعمال الطلبة ومنتجاتهم بجميع مراحل التعليم ونوعياته .
وتنقّل المتحف في أماكن عدة حتى استقر في موقعه الحالي في شارع اسماعيل أباظة عام 1969 في عهد الوزير حلمي مراد وكان مكون من طابق واحد وذلك حتى افتتاح الطابق الثاني عام 1971 في عهد د. مصطفى كمال حلمي .
متحف نوعي تخصصي
ومتحف التعليم من المتاحف النوعية التي تختص بعرض التطور التاريخي لموضوع واحد وهو هنا ” تاريخ التعليم في مصر “..
إذ يعرض المتحف لشريحة طولية من تاريخ الوطن عبر العصور وهو الوحيد من نوعه في مصر والوطن العربي , خاصة وأنه يتمتع بثراء المدى الزمني منذ فجر التاريخ وحتى الآن حيث أن الخبرة التعليمية كانت ولا تزال هي اساس تاريخنا منذ عهد المصريين القدماء وحتى الآن .
كما أن المتحف سبق له المشاركة في المعارض الخارجية ممثلا للوزارة مثل : معرض بلجيكا 1940 ،ومؤتمر اليونسكو 1949 , ومعرض عيد العلم 1954 ,والمهرجان الدولي للمتاحف 1956 , ومعارض الكتاب لسنوات عدة .
ويحتوي على 17 قسم موزعة على طابقين نذكر منها قسم وزراء التعليم حوالي 87 وزيرا منذ انشاء الوزارة وحتى الآن ، وتاريخ كل منهم وانجازاته , والتعليم في عصر المصريين القدماء , والعصر القبطي , والاسلامي , والقرن التاسع عشر مع بداية النهضة الحديثة في فترة محمد علي والبعثات التعليمية, وتعليم البنات ، وقسم للخط العربي ، والتعليم الفني بانواعه ،والجامعات ، والأزهر ، والوسائل التعليمية والتربية الخاصة “ذوي الهمم “، والموهوبين .
مكتبة الوثائق
وللمتحف مكتبة وثائق ملحقة به تحتوي على أكثر من 24 ألف مقتنى تم تجميعها من السجلات المختلفة ودار الوثائق بالقلعة , بالإضافة إلى المخطوطات والمقررات الدراسية والمراجع والنشرات والقرارات الوزارية المنظمة للعملية التعليمية منذ بداية القرن التاسع عشروألبومات صور فوتوغرافية تذكارية لطلبة وأساتذة المدارس وأعضاء البعثات الموفدين إلى أوروبا , وتاريخ تعليم البنات والتحاقهن بالبعثات التعليمية في بدايات القرن الماضي .
والمكتبة تقدم الخدمة المرجعية والتعليمية للطلبة والمهتمين والباحثين المختصين في مجال تاريخ التعليم .
وبعد انتقال المتحف إلى مقره الحالي قام المسؤلون والقائمون على المتحف والعاملون به بالعمل على تطويره والإضافة إلى مقتنياته ..
مقتنيات المتحف وأنشطته
يضم المتحف بين جنباته الكثير من المقتنيات والقطع الفنية ولوحات قام برسمها الفنانون الذين عملوا بالمتحف بالقرن الماضي مثل ابراهيم الكردي ، وإميل محارب عام 1969 ولوحة نادرة للفنان المصري المعروف الحسين فوزي عن درس تشريح بمدرسة طب القصر العيني 1952 ، ولوحة للفنانة جاذبية سري لشاطئ استانلي ويوجد في واجهة المدخل لوحة جدارية بارز وغائر من تصميم وتنفيذ الفنان لويس عام 1969 عن أنواع التعليم ومراحله المختلفة … ومستنسخات من بعض التماثيل والقطع من الفن المصري القديم مهداه من وزارة الآثار، ومكتب د. طه حسين , واثاث حجرة اجتماعات علي باشا مبارك ومكتبه .. ونموذج ( ماكيت ) لكلية دار العلوم القديمة التي أسسها علي باشا مبارك 1872 وذلك قبل هدم المبنى وانتقالها إلى جامعة القاهرة ..وماكيت للجامع الازهر وجامعة القاهرة … ومستنسخ من أول خريطة رسمت للعالم رسمها الرحالة الشريف الادريسي في القرن الخامس الهجري ونموذج مصغر لمدرسة ومسجد الاشرف قايتباي مصنوع من الخشب المطعم بالصدف …بالإضافة لعدد من المجسمات والمحنطات والنماذج التعليمية والأجهزة المستخدمة كوسائل تعليمية منذ انشاء الوزارة وغير ذلك الكثير من المقتنيات .
ويقدم المتحف أنشطة ثقافية من خلال المسابقات التي تعقد للطلاب بجميع مراحل التعليم على مستوى الجمهورية , كما يستقبل جميع الزائرين والوفود وطلبة المدارس مجانا وذلك في مواعيد العمل الرسمية وبه عدد من المرشدين الذين يقدمون الخدمة المرجعية بالمكتبة ، والشرح والتوصيف لمقتنيات المتحف ودوره التعليمي وقيمته التاريخية بالإضافة إلى فيلم وثائقي مدته حوالي سبع دقائق يعرض في بداية الزيارة .
متحف التعليم يكمل رسالة المتحف المصري والقبطي واليوناني الروماني والاسلامي لأنه يلقي الضوء على الحياة التعليمية في كل تلك المراحل التاريخية ويشرح كيف تأثرت الحياة السياسية بل والسياسات التعليمية وبصف خاصة منذ بداية عهد محمد علي وحتى الآن.
المتحف حاليا
عند انتقال مقر وزارة التربية والتعليم إلى العاصمة الإدارية الجديدة لم يتم تحديد موقع أو مقر لانتقال المتحف إليه …على أساس أنه سيبقى في مقره الحالي لأنه وإن كان يتبع الوزارة كأحد إدارات قطاع الخدمات والأنشطة إلا أنه ذو طبيعة خاصة وليس مجرد عدد من الموظفين والأجهزة والأثاث يتم نقلها .
ثم جاء الأمر باخلاء المكان وتسليم الموقع لصندوق مصر السيادي فى خلال أيام وتم طرح أماكن بديلة واستقر الرأي على مركز الأنشطة الطلابية بالعجوزة ..وتم تخصيص مساحة تمثل حوالي 20% من مساحة المتحف الحالي عبارة عن ميزان بين طابقين يطل على بهو مفتوح ومن الجهة الأخرى نوافذ بامتداد الجدار .. مما لا يصلح معه تثبيت أو تعليق اللوحات نظرا لضخامة حجمها ، ولا يوجد تأمين للمعروضات نظرا لكونها ستوجد في مكان مفتوح فهي معرضة للتلف والسرقة .
كما أنه لا يوجد مكان لتخزين أو تشوين باقي المقتنيات , هذا بخلاف ما تحويه مخازن المتحف حاليا , بالإضافة إلى أن عمليات النقل العشوائي قد ينتج عنها تلف لكثير من المعروضات الخزفية والمحنطات والمجسمات والنماذج المعمارية القديمة ( الماكيتات ) , أيضا فان اللوحة الجدارية يجب أن يتم اقتصاصها من الحائط بطريقة فنية متخصصة وإلا فانها محكوم عليها بالهدم .
بدأت عملية النقل فعليا لكن مسؤلي اتحاد الطلاب بالعجوزة فوجئوا بالكم الضخم من المقتنيات والمعروضات بالإضافة إلى محتويات المخازن ناهيك عن عدد 16 ستة عشر موظف يتوجب ايجاد مكان لهم ..فتم رفض إقامة المتحف هناك .
ثم كان اقتراح عدد من الأماكن كلها لا تزيد عن حجرتين أو قاعة متعددة الأغراض في عدد من المدارس كلها لاتصلح لاقامة المتحف بصورة لائقة .
وقد وافق المسؤلون في المركز الاستكشافي بحدائق القبة على استقبال المتحف فقط كمقتنيات دون موظفيه بحجة أن العدد الموجود بالمركز كافي وذلك أيضا مشروط بالحصول على الحصيلة المالية للمتحف .
وأخيرا تم اقتراح الدور الأرضي من مبنى المخازن بالمدينة التعليمية بمدينة السادس من أكتوبر على أن يتم اعادة تجهيزه وهذا لم يبت فيه حتى الان ..
وان كان ذلك يعني أن المتحف لن يستقبل الزائرين إلا فيما ندر …لأن مكان المتحف وموقعه في داخل الديوان في وسط البلد كان يسهل زيارته سواء من الرحلات المدرسية أو المترددين على الديوان بالإضافة إلى القيمة المعنوية التي يكتسبها من وجوده داخل حرم الوزارة.
وقد قامت النائبة الدكتورة هيام بنيامين فاروق عضو لجنة السياحة والآثار بمجلس الشيوخ بتقديم تساؤل في المجلس حول مصير المتحف ،وتم استدعاء السيد مدير المتحف للرد على الاستفسارات المقدمة .
ثم جاء الأمر بالإخلاء الفوري وتم تسليم مفاتيح المخازن بكل ما حوت لمسؤلي العهد بالوزارة وترك مالم يتسع الوقت ولا المكان لنقله طالما غيرمثبت بالدفاتر.
اما بالنسب لمكتبة الوثائق فقد كانت هناك محاولات لنقل بعض مقتنياتها الي دارالوثائق الموجودة على الكورنيش وفشلت المحاولة واستخرجت الاوراق بالموافقة على فرم كل النسخ المكررة لتقليل الكمية وتم تركها أيضا مع المتروك للبيع او للفرم يعلم الله …مع العلم أنها كلها تم تجليدها تجليدا فاخرا من خلال احدى المشروعات التي كانت تتم في المتحف من الحصيلة الخاص به ..
وللعلم فان حصيلة المتحف تكفي لاستئجار مكان لائق أو تجهيزه أو حتى بناء مكان مناسب ، حيث أن حصيلة المتحف هي عبارة عن خمسين قرش من المصروفات المدرسية التي يقوم كل طالب بسدادها في كل عام بكل مراحل ونوعيات التعليم ما قبل الجامعي ،ولكم ان تتخيلوا الرقم الناتج .
يقوم المتحف بالصرف على المسابقات الثقافية وتقديم الجوائز للطلاب الفائزين وتلك الجوائزعبارة عن مبالغ مالية مودعة في دفاتر توفير باسم الطالب الفائز.
كما يتم الصرف ايضا على مشروعات الصيانة والترميمات المطلوبة للمتحف من خلال تلك الحصيلة …وبذلك يتضح أن الأماكن التي أبدت استعدادها في البداية لاستقبال المتحف كان ذلك على أمل الحصول على الحصيلة الخاصة به دون موظفيه، ويتم تشوين المقتنيات في المخازن ..فلما اتضح عدم امكانية ذلك نظرا لأن الصرف يتم عن طريق وزارة المالية تم رفض استقبال المتحف .
وكان هناك مقترح بان يبقى المتحف في مكانه بمقره الحالي خاصة وأنه يمكن فصله عن باقي مباني الوزارة كما أن له مدخل خاص سماوي من ناحية شارع اسماعيل اباظة ..على أن يتولى صندوق مصر السيادي ترميمه وتطويره أسوة بمتحف سعد زغلول والذي يقع على بعد خطوات منه في نفس المنطقة وقد تم رفض هذا المقترح ايضا “وقيل لأسباب سياسية عليا “.
لكل ما سبق كانت المطالبة بايجاد مكان مناسب يليق بقيمة المتحف وأهميته التاريخية والتعليمية والوطنية قبل كل شئ ، على أن يكون مهيئا من الناحية الفنية
( الاضاءة والتهوية وامكانية التنقل بين المعروضات اثناء الزيارات والتخزين وغير ذلك ) والناحية الأمنية أيضا حيث تعتبر هذه المقتنيات بالإضافة إلى أهميتها التي سبق شرحها “عُهدا حكومية ” وهذا مالم يحدث…
وانتهى الأمر بالفعل بنهاية يوم الخميس الموافق 27 يونية وتم تجريف المكان حرفيا بمعرفة عامل العهد ..والذي تحول بين ليلة وضحاها إلى مليونير.
لا ادري لماذا تحضرني الآن الذكرى لواقعة غلق ديوان المدارس في عام 1854 بأمر من الخديوي سعيد وتسريح موظفيه (وكانت له وجهة نظر ) ..واليوم يتم غلق متحف التعليم وتشتيت موظفيه (ولا افهم وجهة النظر ) الذين يتنقلون مابين اتحاد الطلاب بالعجوزة والمدينة التعليمية باكتوبر حاملين معهم دفاتر الحضور والانصراف الخاصة بهم لاثبات التوقيعات ، ويتبادلون حراسة ماتم استنقاذه من مذبحة المتحف وتشوينه في بدروم اتحاد الطلاب “حوالي 20% فقط من المقنيات”.
رحم الله متحفنا الغالي وتاريخ التعليم في مصر.