محمد صلاح يكتب: على قد فلوسهم.. كيف نعيد للوظائف الحكومية قيمتها الحقيقية؟
بينما تتجه الدولة نحو تحسين جودة الخدمات الحكومية بشكل جذري، تظهر إلى السطح عقبة رئيسية.. عقلية بعض الموظفين الذين يؤدون عملهم بمنطق “على قد فلوسهم”.
هذه الذهنية، التي تربط جودة الأداء بحجم الراتب، تتعارض مع جوهر الوظيفة الحكومية، التي يفترض أن تستند إلى قيم خدمة المجتمع وتحقيق الصالح العام. فالوظيفة الحكومية ليست مجرد مصدر دخل، بل مسؤولية اجتماعية تهدف إلى بناء الوطن وتعزيز استقراره.
انتشار هذه الثقافة انعكس سلبًا على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، ما خلق فجوة بين طموحات الدولة وتوقعات الناس. المواطنون، الذين يعتمدون يوميًا على مؤسسات الدولة، يشعرون بالإحباط حينما يواجهون إهمالاً أو تهاونًا في الأداء. هذه الفجوة تعيق تحقيق الرؤية الطموحة للدولة وتحد من قدرة الحكومة على كسب ثقة المجتمع.
لكن كيف يمكننا التصدي لهذه الأزمة وإحداث تحول حقيقي في الأداء الحكومي؟
أولًا، تطبيق نظام مكافآت عادل قائم على الإنتاجية. الراتب الثابت التقليدي لم يعد كافيًا لتحفيز الموظفين على بذل الجهد المطلوب. بدلاً من ذلك، يمكن اعتماد نظام حوافز مبني على الإنجاز، حيث يُكافأ الموظفون الملتزمون والمنتجون بوضوح. هذا التحفيز المباشر يعزز من الالتزام ويشجع الموظفين على تقديم أقصى ما لديهم.
ثانيًا، استثمار حقيقي في العنصر البشري من خلال التدريب المستمر وتطوير الكفاءات. تحسين الأداء الحكومي لن يتحقق إلا بتأهيل الكوادر البشرية لمواكبة التحديات. لا بد من توفير برامج تدريبية فعّالة تجعل الموظفين أكثر مهارة وكفاءة. هنا يأتي دور هيئات رقابية مستقلة داخل كل مؤسسة حكومية، تكون مسؤولة عن مراقبة الأداء وضمان تطبيق معايير الجودة. هذه الهيئات ستتابع تنفيذ خطط التدريب وتقييم النتائج، مما يخلق منظومة عمل متكاملة تضمن الجودة والاستمرارية.
ثالثًا، وضع أهداف يومية واضحة ومراجعة دورية للأداء. تحديد الأهداف يمنح الموظفين مسارًا محددًا للعمل بجدية، والتقييم المستمر يعزز الالتزام ويتيح للإدارة تحسين الأداء عند الضرورة. الموظفون المتميزون يحصلون على مكافآت مستحقة، بينما يتلقى المقصرون الدعم اللازم للارتقاء بمستواهم.
وأخيرًا، تشجيع بيئة عمل مبتكرة. الابتكار ليس ترفًا، بل ضرورة ملحة لتحسين الأداء الحكومي. لا بد من خلق بيئة تُشجع الأفكار الجديدة وتكافئ أصحاب الحلول المبدعة. عندما يرى الموظف أن أفكاره لها قيمة وتحدث فرقًا حقيقيًا، يزداد انتماؤه وحرصه على تحسين العمل.
الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل، بمواجهة ثقافة “على قد فلوسهم” بشجاعة، وإعادة بناء بيئة العمل الحكومي على أساس الالتزام والإنتاجية. حين يتحقق ذلك، لن يكون تحسين الخدمات مجرد حلم، بل واقع ملموس يعيشه المواطنون، ويعزز من الثقة المتبادلة بين الحكومة والشعب، نحو مستقبل أكثر إشراقًا