متابعة: نسرين طارق
ذكرت صحيفة الشرق الأوسط أن الحرب السودانية دخلت عامها الثاني، حيث اندلعت الحرب في 15 أبريل، عاش خلالهما الشعب السوداني أحداث مروعة ما بين قصف مدفعي وجوي عشوائي دمر البنية التحتية المتهالكة، في أنحاء واسعة من البلاد، بالاضافة الى حصيلة قتلى تقارب 15 ألف قتيل وعدد غير محدود من الجرحى والمصابين، وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ.
خلّفت الحرب في السودان خراب في كل مناحي الحياة، حيث انهارت الخدمات الصحية، وخرجت المستشفيات عن الخدمة، وشح الدواء، ودُمرت المصانع والمعامل والمنشآت العامة، وعلى رأسها القصر الجمهوري والوزارات جراء القصف الجوي والمدفعي، وأصبحت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات شبه معدومة، وخسر ملايين الأطفال والشباب عاماً كاملاً بلا تعليم، بعد توقف العملية التعليمية في المدارس والجامعات، كما توقف صرف رواتب موظفو الدولة لعام كامل.
ومما يزيد الصورة قتامة اضطرار الأهالي دفن موتاهم في البيوت لأن الطرق إلى المقابر محفوفة بالمخاطر.
وذكر العديد من السودانين على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الكثير من كبار السن والمرضى ماتوا جوعاً وهم على أسرَّتهم، بعد أن حصدت الرصاصات والقذائف أرواح من كان يرعاهم ويوفر لهم الطعام والدواء.
وامتلأت الشوارع بالجثث المتحللة التي لم تجد من يدفنها، وجذبت رائحتها الكلاب الضالة، بينما يتداول الناس روايات عن انتشار الفئران والقطط، والكلاب المسعورة بعد أن تغذت على اللحوم الآدمية عاماً كاملاً.
آلاف القتلى والجرحى
بلغ عدد قتلى الحرب نحو 14790 حالة جرى الإبلاغ عنها، بينها 800 حالة خلال الفترة من 10 فبراير إلى 8 مارس الماضيين، في ولايتي الخرطوم والجزيرة وفقاً لسجل مشروع بيانات أحداث ومواقع النزاعات المسلحة.
ازدادت أعمال العنف ضد المدنيين بصورة كبيرة خلال الشهر الماضي، رغم انخفاض عدد المعارك، الا ان أحداث العنف ضد المدنيين زادت بنسبة 89 %.
ويؤكد المراقبون أن أعداد القتلى أكبر بكثير مما هو مدوَّن، لإن هناك من دُفن في منزله لأن ذويه لم يجدوا من يعينهم على نقله إلى مقابر المدينة، أو من دُفنوا في الطرقات العامة أو في مقابر جماعية مجهولة.
أما القتلى من الطرفين المتحاربين، الجيش و«قوات الدعم السريع»، فلا أحد يعرف عددهم، يسعى كل طرف الى عدم الافصاح عن عدد ضحاياه، ويضخم ضحايا خصمه، وعندما تنتهي الحرب ستكتشف ملايين الأسر أنها فقدت كثيراً من أبنائها العسكريين.
كارثة نزوح السودانين.. الأسوأ في العالم
تقرير آخر صدر في 5 أبريل الحالي، ذكرت الفرق الميدانية لـ«منطمة تتبع النزوح» التابعة لمنظمة الهجرة الدولية، أنه مع ازدياد حدة النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع، نزح نحو 6.5 مليون شخص داخل السودان منذ بداية الحرب في 15 أبريل 2023، في ولايات السودان المختلفة البالغ عددها 18 ولاية، كان لولاية جنوب دارفور أعلى نسبة، بينما بلغ عدد اللاجئين إلى دول الجوار 1.96 مليون، وفقاً للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
أزمة النزوح التي وصفتها الأمم المتحدة بـ«أسوأ كارثة نزوح في العالم»، أدت إلى أزمة إنسانية طاحنة، وقد حذرت «شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة» من مجاعة طاحنة سوف تصيب ولايات غرب دارفور والخرطوم ودارفور الكبرى.
بداية مجاعة
وقالت منظمة إنقاذ الطفولة في فبراير الماضي، إن أكثر من 2.9 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، و729 ألف طفل إضافي دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد، وهو أخطر أشكال الجوع الشديد وأكثرها فتكاً.
وتوقعت أن يعاني 109 آلاف طفل من مضاعفات طبية مثل الجفاف وانخفاض حرارة الجسم ونقص السكر في الدم، وأن يموت نحو 222 ألف طفل يعانون سوء التغذية الحاد الشديد، وأكثر من 7 آلاف أم جديدة خلال الأشهر المقبلة ما لم تلبَّ احتياجاتهم الصحية.
وقالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل إن نحو 24 مليون طفل سوداني، قد يتعرضون خطر كارثة جيلية، بينهم 14 مليون بحاجة ماسة للدعم الإنساني، ولظروف النقص الحاد في الغذاء ومياه الشرب النظيفة.
ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” تراجع إنتاج الحبوب في السودان بنسبة 40 % عن متوسطه خلال 5 سنوات، بسبب تأثير الحرب وانعدام الأمن على العمليات الزراعية، ما أدى لتضاعف أسعارها 3 مرات عن مستوياتها منذ يناير 2023، حيث تضاعفت أسعار القمح 3 مرات في عدد من المناطق، وأسعار بعض الحبوب لأكثر من الضعف، وتعد الذرة الرفيعة والقمح من المحاصيل الغذائية الرئيسية في السودان، ما ينذر بمجاعة كارثية في المواسم المقبلة في حال استمرار الحرب.
الخسائر الفعلية للحرب
رفض وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، في تصريحات صحافية في مارس الكشف عن الخسائر الفعلية للحرب، معللا ذلك لصعوبة تقديم تقديرات دقيقة للخسائر خلال النزاع، لكنه أكد أن الاقتصاد السوداني متماسك رغم الدمار الكبير والخسائر الجمة.
وأشار جبريل الى تراجع احتياطات العملة الأجنبية وخسارة الجنية السوداني كثيراً من قيمته بسبب الحرب، نتيجة لتعطل الإنتاج، وتراجع حركة الصادر، وسحب رجال الأعمال مدخراتهم بالعملات الصعبة إلى خارج البلاد.
فيما ذكر في تصريحات سابقة في نوفمبر الماضي، أن خسائر الاقتصاد السوداني من الحرب تفوق 26 مليار دولار.
قدر الخبير الاقتصادي إبراهيم البدوي وزير المالية في عهد الحكومة المدنية خسائر السودان التي لحقت بالبنية التحتية بلغت في أكتوبر الماضي نحو 60 مليار دولار.
كما تعرض عدد كبير من المستشفيات والمراكز الصحية لدمار كبير، واستخدمت بعضها ملاذ للمقاتلين.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن أكثر من 25 % من المستشفيات في السودان البالغ عددها 702، منها 540 تعمل جزئياً، بنسبة 75 % بسبب الحرب، بينما اضطُر الأطباء والكوادر الطبية للنزوح والهجرة حفاظاً على أنفسهم وذويهم، أو بسبب عجزهم عن تقديم الخدمة المطلوبة منهم بسبب انعدام المعدات الطيبة والأدوية، وذكرت تقارير أخرى أن عشرات الأطباء والكوادر الطبية قُتلوا نتيجة القصف الذي تعرضت له المستشفيات.
وبلغت خسائر القطاع الصحي، وفق وزير الصحة المكلف هيثم إبراهيم، 11 مليار دولار.
وأدى انهيار المنظومة الصحية في البلاد إلى انتشار الأمراض والأوبئة، حيث دونت 10 آلاف و800 إصابة بالكوليرا، في 12 ولاية، بينما بلغت إصابات حمى الضنك 7500 حالة في 11 ولاية من جملة الولايات البالغة 18 ولاية.
انقطاع الاتصالات
وتقول التقارير أن محطات توزيع المياه والآبار التي توفر مياهاً صالحة للشرب، قد دمرت بعضها بسبب القتال المباشر، وبعضها الأخرى بسبب شح الوقود أو نهب آلياتها.
تسبب انقطاع شبكات الاتصالات والإنترنت في أجزاء واسعة الى عزلة الشعب السوداني، فمنذ الأشهر الأولى للحرب خرجت 3 من مدن إقليم دارفور، وهي نيالا وزالنجي والجنينة عن تغطية خدمات الاتصالات والإنترنت، قبل أن تتوقف الخدمة بشكل كلي عن البلاد في 7 فبراير الماضي، ولجأ الناس للاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية «شبكة ستارلنك»، والتي انتشرت في البلاد.
لكن الجنرالين المتحاربين، حرما الناس من الاتصال بالانترنت، إذ أصدرت الحكومة في بورتسودان قراراً منعت بموجبه استخدام تلك الأجهزة، وصادرتها بمناطق سيطرتها.
أما في مناطق سيطرة قوات الدعم فقد تحول الامر لتجارة، إما أن يدفع صاحب الطبق «إتاوة»، أو أن يكون مملوكاً لأحد رجال الميليشيات، وفي كل الأحوال فإن الساعة الواحدة من الاتصالات تكلف نحو دولارين ونصف، ويضطر الناس لدفعها.
أطفال بلا تعليم
أدت الحرب إلى أزمة تعليمية كبيرة وصفتها ممثلة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في السودان «يونسكو» مانديب أوبراين بأنها «أسوأ أزمة تعليمية في العالم».
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» أن 19 مليون طفل أصبحوا بلا مدارس، بينهم 4 ملايين نازح، بما يجعل السودان إحدى أكبر أزمات نزوح الأطفال في العالم.
آلاف المدارس الحكومية والخاصة وعشرات الجامعات والمعاهد والكليات دُمرت كلياً، أو احترقت، وتحولت المدارس وداخليات الجامعات إلى مراكز لإيواء النازحين الذين فروا من منازلهم بسبب القتال.