fbpx
تقاريرسلايدر

السيسي في اريتريا.. أمن البحر الأحمر وأشياء أخرى

إعداد: أحمد التلاوي

زار الرئيس عبد الفتاح السيسي أريتريا، في العاشر من أكتوبر الجاري، ربما تكون إثيوبيا وفق الكثير من الخبراء والمتابعين العنوان الأبرز فيها، إلا أنها بكل تأكيد ليست العنوان الوحيد.

وربما حتى لا يُجانبنا الصواب لو أننا قلنا إن إثيوبيا ليست الرَّقْم واحد في القضايا التي تهتم بها القاهرة في هذه المرحلة من وراء التحركات الأخيرة لها في منطقة القرن الأفريقي.

ولنلقي أولاً نظرة على الشخصيات التي تواجدت في الزيارة، من مصر؛ كان هناك بجانب وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، كان هناك اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية، كما حَضَر القمة المصرية الإريترية، الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.

البيان المشترك الذي صدر عقب القمة تضمن ثلاثة بنود، اللافت للنظر فيه، أن البندَيْن الثاني والثالث في البيان هما اللذان كانا عن العلاقات المصرية الإريترية، والتنسيق بين البلدان في القضايا الإقليمية والدولية، بينما كان البند الأول احتوى ثلاث نقاط، يخص الصومال منها نقطتان، حتى وإنْ لم يذكر البيان ذلك صراحةً؛ حيث أشار إلى أهمية “الاحترام المطلق لسيادة واستقلال ووحدة أراضي بلدان المنطقة”، و”رفض التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة تحت أي ذريعة أو مبرر”.

كانت كلمة الرئيس السيسي في المؤتمر الصحفي الذي عُقِدَ عقب القمة الثلاثية التي ضمَّته مع نظيرَيْه الإريتري أسياسي أفورقي، والصومالي حسن شيخ محمود أكثر وضوحًا في مستهدفات الزيارة، والقضايا التي كانت محل نقاش بينه وبينهما، وبشكل خاص ما يتعلق بالصومال.

ومن بين ما ذكره الرئيس السيسي، إنه تم الاتفاق خلال المباحثات التي جرت، على تقديم كافة أشكال الدعم للصومال من أجل استعادة الأمن “بواسطة جيشه الوطني”، سواء من خلال جهود ثنائية مشتركة أو من خلال دعم الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وبناء السلام في الصومال.

الرئيس السيسي في كلمته، أشار إلى ضرورة التصدي إلى “مخططات وتحركات تستهدف زعزعة الاستقرار وتفكيك دول المنطقة”، وهو ما يلامِس صراحةً الاتفاقية الأخيرة التي وقعتها إثيوبيا مع ما يُعرَف بـ”جمهورية أرض الصومال” أو “صومالي لاند” غير المُعترَف بها دوليًّا، في يناير الماضي، والتي تقضي باستخدام إثيوبيا – الدولة الحبيسة – لأحد موانئ “جمهورية أرض الصومال”، وكانت سببًا في أزمة كبيرة بينها وبين الحكومة المركزية في مقديشو.

أمن البحر الأحمر

ربما كان الموضوع الصومالي مهمًّا ارتباطًا بالأزمة الراهنة بين مصر وإثيوبيا على خلفية التعامل الإثيوبي في ملف “سد النهضة”، لكن لنقُل إن هذا الأمر كان ضمن موضوعات أخرى مهمة لزيارة الرئيس السيسي، وللتحركات المصرية الأخيرة في منطقة القرن الأفريقي.

فالرئيس السيسي أشار في كلمته إلى أن المباحثات تضمنت كذلك عددًا من الملفات الإقليمية المهمة، ومنها الأوضاع في السودان، والحرب الدائرة هنا.

كما تحدث الرئيس السيسي صراحة عن خطورة استمرار الأوضاع التي أدت إلى اضطراب حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، في إشارة إلى العمليات التي تقوم بها جماعة “أنصار الله” الحوثي في اليمن ضد السفن في خليج عدن والبحر الأحمر، على خلفية الحرب الإسرائيلية الحالية في غزة ولبنان، الأمر الذي انعكس سلبًا على معدلات التجارة العالمية.

ووفق أرقام الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس؛ فإن مصر خسرت قرابة مليارَيْ دولار – 1.8 مليار دولار – في العام المالي 2023م / 2024م من عائدات القناة بسبب عمليات الحوثيين.

نشير هنا إلى أن زيارة الرئيس السيسي إلى إثيوبيا، تأتي بعد أقل من شهر قام بها أيضًا اللواء عباس كامل، والوزير بدر عبد العاطي إلى إريتريا، نقلا فيها رسالة من الرئيس السيسي إلى نظيره الإريتري أسياسي أفورقي.

وبعيدًا عن التصريحات البروتوكولية حول الزيارة السابقة للواء كامل والوزير عبد العاطي، بشأن العلاقات بين البلدَيْن، فإن الجانب الأهم من هذه الزيارة التي يمكن أنْ نقول عنها إنها كانت تحضيرية لزيارة الرئيس السيسي ونظيره الصومالي إلى إريتريا، أن المسؤولَيْن المصريَّيْن “استمعا إلى رؤية الرئيس الإريتري بشأن البحر الأحمر”، بحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية في حينه، وهي نقطة مهمة، سوف نطرقها بعد ذلك.

إذًا، كانت الأزمة الأمنية الحالية في البحر الأحمر والتي مسَّت مصالح مصر الحيوية في قناة السويس، جزءًا مهمًّا للغاية من زيارة الرئيس السيسي وتحركات مصر بشكل عام في منطقة القرن الإفريقي في الفترة الماضية.

ونُنَوِّه هنا إلى أن الرئيس السيسي اهتم بالحديث عن خسائر مصر الاقتصادية بسبب حالة الفوضى التي تسببت بها عمليات الحوثيين في المنطقة، خلال حفل تخريج دفعة جديدة من طلاب أكاديمية الشرطة في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي.

فهذه القضية – إذًا – هي من أهم مصالح الأمن القومي المصري التي تركز عليها مؤسسة الرئاسة ومؤسسات الدولة الأخرى الأمنية والعسكرية.

شبكة تعاون استخباراتية وعسكرية

قُبَيْل زيارة الرئيس السيسي إلى إريتريا، نقلت وكالة “بلومبرج” الأمريكية عن مصادر وصفتها بالمُطَّلِعَة أن الزيارة سوف تشهد توقيع اتفاقية للتعاون العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

وربما لم يتم الإعلان عن هذه الاتفاقية، ولكن قد يعزز هذه التقارير، الوجود العلني الواضح للواء عباس كامل في الزيارة الأولى التي تمت في منتصف سبتمبر الماضي، له مع الوزير بدر عبد العاطي، ثم في زيارة الرئيس السيسي.

كما أن مصر وقعت في السنوات الأخيرة عددًا من الاتفاقيات المماثلة مع عدد من الدول الإفريقية ذات الصلة بمصالح الأمن القومي المصرية في القرن الأفريقي وحوض النيل، مثل تلك التي وقعتها مع أوغندا في أبريل من العام 2021م.
ونشير هنا بالطبع إلى التحركات الأخيرة التي قامت بها مصر مع الصومال نفسها، عقب الزيارة التي قام بها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى مصر في أغسطس الماضي، وقعت خلالها مصر مع الصومال اتفاقية للتعاون العسكري، أرسلت بموجبها طائرتَيْن محملتَيْن بالأسلحة إلى مقديشو.

وبعدها بنحو شهر، في 23 سبتمبر الماضي، أرسلت مصر شحنة أسلحة جديدة إلى الصومال في حماية قطعة عسكرية بحرية مصرية لم تذكر الخارجية المصرية تفاصيلها، لكن تقارير إعلامية وقتها نقلت عن مسؤولين صوماليين، أن شحنة الأسلحة تضمنت أسلحة ثقيلة ومدافع مضادة للطائرات وقطع مدفعية.

كما وصل فريق طبي مصري من كافة الاختصاصات إلى العاصمة الصومالية مقديشو، لإجراء عمليات جراحية وفحص عدد من المرضى بمستشفى “ديمارتينو”.

كل هذه الإجراءات المصرية أثارت غضب إثيوبيا التي تنشر ما بين خمسة إلى سبعة آلاف جندي في أنحاء مختلفة من الصومال، التي طالبت حكومته المركزية أديس أبابا بسحب قواتها بنهاية التفويض الممنوح لها كقوات حفظ سلام في إطار الحرب الحالية بين مقديشو والجماعات الإرهابية المسلحة وعلى رأسها “شباب المجاهدين” المُبَايِعَة لتنظيم “القاعدة”، بنهاية العام، أو إنهاء العمل بالاتفاقية الموقعة مع “صومالي لاند”.

إثيوبيا بدورها أرسلت إثر ذلك شحنة أسلحة إلى “جمهورية بلاد بونت” أو “بونتلاند”، وهي قسم آخر من الصومال أعلن انفصاله على إثر الحرب الأهلية والفوضى التي عمَّت البلاد منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل محمد سياد بِرِّي في مطلع التسعينيات الماضية، ولم يعترف المجتمع الدولي بـ”بونتلاند” مثلما لم يعترف بـ”صومالي لاند”.

نشير  هنا إلى أن الصومال، الدولة المعترَف بها دوليًّا، منقسمة فعليًّا إلى ثلاثة أقسام، اثنتان منها تقع في الطرف الشمالي والشمالي الشرقي للبلاد، هي على الترتيب من جهة حدود الصومال مع جيبوتي، “جمهورية أرض الصومال”، ثم “جمهورية بلاد بونت”، وسلطة الرئيس حسن شيخ محمود الفعلية، هي على القسم المتبقي من الصومال، الممتد جنوبًا حتى الحدود مع كينيا.
وتشير تقارير نشرتها “رويترز” أن مصر قد ترسل قوات إلى الصومال لتحل محل القوات الإثيوبية متى انسحبت من هناك بناءً على طلب، كقوات حفظ سلام، لكن القاهرة الرسمية لم تعلِّق على هذه التقارير في حينه.

قضايا الأمن قومي

الحقيقة أن أطراف الصورة السابقة ليست هي كل مكونات الصورة، فهناك الكثير من الأمور التي ارتبطت بالتحركات المصرية الأخيرة في الصومال وإريتريا، بعضها يرتبط بأطراف أخرى في إقليم الشرق الأوسط الكبير، الممتد من غرب أفريقيا وحتى آسيا الوسطى شرقًا، ومن إيران وتركيا والقوقاز شمالاً، وحتى أوغندا ومنابع النيل الاستوائية جنوبًا.

في 27 من يوليو الماضي، وافق البرلمان التركي على نشر عناصر من القوات المسلحة التركية في الصومال، لمدة عامَيْن، بما في ذلك مناطق الولاية البحرية للبلاد في المياه الإقليمية المجاورة، تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وتعزيز قدرات الدفاع البحري الصومالي.

يتصل بذلك إعلان وزارة الطاقة التركية قبل ذلك بنحو بأسبوعَيْن، في منتصف يوليو، أن تركيا بصدد إرسال سفينة للتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل الصومال في وقت لاحق من هذا العام في إطار اتفاقية موقعة بين البلدَيْن للتعاون في مجال المواد الهيدروكربونية.

هذه التحركات التركية، جاءت عقب توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال، في فبراير الماضي.

وخلال النصف الأول من العام الجاري، قام الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بزيارتَيْ دولة إلى تركيا، في مارس ويونيو الماضيَيْن.
وبكل تأكيد، كانت هذه التحركات التركية التي تأتي ضمن تحركات أوسع لتركيا لشغل فراغات كبيرة وقعت في العقود الماضية من جانب الدول العربية في حزام الأمن القومي العربي الجنوبي، في بال وعقل الدولة المصرية عندما بدأت هذه التحركات في الأشهر الأخيرة.

ومن بين هذه التطورات، الزيارة التي قام بها وفد تركي سيادي، ضم وزير الخارجية، ومدير الاستخبارات التركية السابق، هاكان فيدان، ووزير الدفاع يشار جولر، والمدير الحالي لجهاز الاستخبارات التركي إبراهيم قالين، إلى النيجر، في الثامن عشر من يوليو الماضي، لـ”بحث عدد من الامور الأمنية والعسكرية” وفق ما أُعلِن وقتها رسميًّا في أنقرة، ولكن من دون أية تفاصيل.
وبحسب معلومات وتقديرات أجهزة الدولة المصرية، فإن التحركات التركية، ومعها القطرية، بأية صورة من الصورـ بدءًا من المساعدات الإنسانية، وحتى الدعم العسكري، مرورًا بالدعم المالي، إنما يخدم مخطط للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين لتعزيز تواجده في دول القارة الإفريقية.

هذا المخطط بدأ قبل عقود، ولكنه أخذ إجراءات تنفيذية أوسع نطاقًا في نهايات التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة، واكتسب زخمًا في عهد المرشد العام السابع للإخوان، محمد مهدي عاكف.

يتصل بذلك، أحد أهم الملفات التي ركَّزت عليها أجهزة الأمن السيادية المصرية، المدنية والعسكرية في مرحلة ما بعد 2011م، وهي الجماعات الإرهابية المنتشرة في منطقة الساحل والصحراء الممتدة من السودان الغربي، وحتى غرب أفريقيا، بنفس درجة الاهتمام بتلك الجماعات الموجودة في القرن الإفريقي، وترتبط ارتباطًا عضويًّا بتنظيم الإخوان.

وذلك على النحو الذي تكشَّف في حالة تنظيم الإخوان المسلمين في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي لأجهزة الاستخبارات الغربية والوطنية في بلدان أمريكا الجنوبية، كما في حالة البرازيل، وأغلقت على إثرها الكثير من الجمعيات والمساجد التابعة للإخوان، لثبوت دعمها لتنظيم “داعش” في عمليات التدريب والإعداد لهجمات وقعت في أوروبا، في السنوات الماضية، وبخاصة في ألمانيا وفرنسا وبلجيكا.

وهي الدول التي تمثل روافع الاتحاد الأوروبي، مما يشير إلى دقة التقديرات التي تشير إلى أن هذه التنظيمات جميعها تتحرك في إطار خدمة السياسات البريطانية، والتي يهمها للغاية إضعاف الاتحاد الأوروبي، ضمن خطة قديمة لبريطانيا الاستعمارية، لإضعاف وتفكيك المركزيات الكبرى في العالم، للحفاظ على التفوق الأنجلو سكسوني، في إطار صراع القوى العالمي.

ويلعب التمويل القطري في هذا الصدد دورًا مهمًّا، وهو ما دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) إلى إرسال مراقبين إلى المصرف المركزي القطري لمراقبة التحويلات التي تتم من خلاله، بعدما تكشَّف حول قضية الأكاديمي القطري من أصل بحريني عبد الرحمن بن عمير النعيمي، الذي كان وسيط تحويلات رسمية تمت من قطر من خلال مسار يبدأ من البنك المركزي القطري، ويمر عبر مصارف بريطانية، إلى تنظيمات إرهابية العراق وسوريا ولبنان واليمن والصومال وليبيا ونيجريا.

من هذا، يمكننا فهم يمكن فهم تصريحات الخبير العسكري والاستراتيجي المصري، والمستشار في كلية القادة والأركان، اللواء أركان حرب أسامة محمود كبير، لموقع “العربية.نت” في إطار تعليقه على زيارة الرئيس السيسي إلى إريتريا، من أن  قضايا الأمن في غرب القارة الإفريقية، كانت حاضرة في محادثات الرئيس السيسي في أسمرة.

ويفسِّر هذا جانبًا من وجود اللواء كامل الوزير في واجهة الزيارة، وأنه كان أحد قائمتَيْن رتَّبا لها في زيارته السابقة مع وزير الخارجية بدر عبد العاطي.

الصورة الأوسع للزيارة

على هذا النحو، يمكننا فهم الصورة الأوسع المرتبطة بزيارة الرئيس السيسي إلى إريتريا، والتي لم تكن بمعزل أبدًا عن تطورات أخرى كثيرة جرت في السنوات الماضية تمس مصالح الأمن القومي المصري، وأن “سد النهضة” والأزمة مع إثيوبيا، هي جزء فقط من ذلك.

وبالتالي؛ فإننا لا يمكن أنْ نقول إن الزيارة حدثًا منفردًا، وإنما هي جزء من تحركات واسعة النطاق تقوم بها الدولة المصرية في السنوات الأخيرة من أجل مواجهة الأخطار التي تمس مصالح الأمن القومي الحيوية المصرية، بمختلف أشكالها، وبالتالي؛ بمختلف الأدوات المتاحة في يد الدولة المصرية، بما في ذلك الأدوات الاقتصادية والأمنية والعسكرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى